مصاعب المجدّدين

12 نوفمبر 2021
محمد المليحي/ المغرب (جزء من لوحة)
+ الخط -

يشير علي الراعي في كتابه "دراسات في الرواية المصرية" إلى المصاعب التي لاقاها كلّ من محمد المويلحي ومحمد حسين هيكل في إدخال النوع الروائي إلى الثقافة العربية، وهي مصاعب مختلفة ومتنوّعة، لا تتعلّق بالمواجهة المحقّقة بين الكاتب والمجتمع، كما حدث في حالة المويلحي جهراً، أو كما كان من المحتمل أن يحدث في حالة هيكل، لولا أنه تلافى هذه المواجهة بإخفاء اسمه كمؤلّف عن غلاف الطبعة الأولى من روايته "زينب"، تحاشياً لاحتمال اعتراض المجتمع على النوع، أو على المحتوى، ولكنّها تتعلّق أيضاً - وهذا ما يختفي مع الأسف خلال التاريخ اللاحق - بالمواجهة مع مشاكل بناء النوع نفسه، ويقول الراعي في مقدمة كتابه إنّ المويلحي كان "يصارع" فنّ المقامة ليطوّره، بينما كان هيكل "يناضل" ضدّ النثر الفنّي العربي المتجمّد.

هذا هو حال معظم المجدّدين العرب، وقد كانت معاناتهم مزدوجة، وفي هذا الباب وحده نرى أنهم جديرون بالتقدير، لا بالتقليل من منجزهم، أو بمحاسبتهم وفق المعايير الحالية، التي تتجاهل التراكم التاريخي الذي تحقّق عبر قرن ونصف القرن من حياة الشعوب العربية، بل بتفهُّم تلك المصاعب التي اعترضتهم، وكيف استطاعوا، أو لم يستطيعوا تجاوزها، وإذا ما تمكّنوا من خلق تلك المواءمة بين النوع، وبين الواقع.

يختفي هذا الصراع أو النضال في سياق التاريخ الحديث، لصالح المواجهة مع المجتمع، بينما تقول الحقائق إنّ النوع الجديد، الرواية أو المسرح أو الشعر الحديث (بل يمكن توسيع الدائرة إلى الأفكار السياسية؛ إذ يمكن القول إنّ العديد من تلك الأفكار قد فشلت في عالمنا العربي لأنّ أصحابها لم يبذلوا جهداً حقيقيّاً في إعادة إنتاجها محلّياً) لا يبقى أو يتطوّر بسبب الصراع مع القوّة السياسية أو المجتمعية، أي بسبب الصراع مع الخارج فقط، بل بفضل التطوّر النوعي الداخلي في متطلّبات النوع نفسه.

يختفي النضال في سياق التاريخ الحديث لصالح المواجهة مع المجتمع

والأمر يختلف تماماً هنا عن مسائل الصراع بين القديم والجديد في حقول أُخرى، وإذا تذكّرنا المعركة الشهيرة حول الطربوش والقبّعة، فإنّ أنصار الجديد الذين أرادوا اعتمار القبعة، خاضوا صراعاً فكرياً فقط، فالمنتج ـ القبّعة كان جاهزاً ومُعدّاً في مكان آخر، ولا يحتاج لإعادة تدوير، أو إعادة إنتاج محلّية ليتناسب مع رؤوس العرب، ولم يستطع أنصار الطربوش المهزومون، وما كانوا يستطيعون، تحريك الشارع وتجييش المتظاهرين لتهديد أنصار القبعة.

قضية التجديد هي قضية الصراع مع رأسين: الأوّل هو رأس المجدّد نفسه، الذي سوف يثبت أنه خلّاق ومبدع وقادر، أو العكس، على مواجهة مصاعب النوع أو الحقل الذي ينبغي عليه ألّا ينسخه كما وُجد في رؤوس أُخرى. هذا هو حال الرواية العربية ـ والشعر العربي الحديث، والمسرح العربي أيضاً ـ التي يُقاس مدى نجاحها أو فشلها بقدرة المجدّدين فيها على تحدّي مصاعب الكتابة والبناء، والثاني هو رأس الخارج المتمثّل في القوى التي تحاول منع الجديد، مرّة، أو تحاول خنقه في رأس المجدّد نفسه، كما في حالة المويلحي وطه حسين وغيرهم مرّات.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون