بعد بلوغه الستين، أقام محمد عبلة أول معارضه النحتية بعد مشواره الطويل في الرسم والحفر لأكثر من أربعة عقود قضاها في التجريب المستمر، سواء على صعيد التقنية أو الموضوع أو التنظير الذي رافق تجربته، ضمن محاولاته لأرشفة الحياة المصرية أو تتبّع التداخل بين الواقع والأسطورة في الذاكرة الشعبية.
"النحت وسنينه" عنوان معرضه الجديد الذي يُفتتح في "غاليري أكسيز للفن" بوسط البلد في القاهرة الجمعة المقبل، ويتواصل حتى الثالث عشر من أيار/ مايو المقبل، حيث يضمّ ثمانين منحوتةً نفّذها خلال السنوات الثلاث الأخيرة باستخدام خامة البرونز.
في ثالث معارضه النحتية بعد "برة الكادر" (2018) و"لعب بالنار" (2019)، أشار الفنان المصري (1953) إلى صعوبة التعامل مع الخامات في تصنيعها وتطويعها عبر الحرارة، موضّحاً أهمية التفكير في إضافة شيء جديد ومختلف في سياق التجديد والتطوير لإرث الحضارة المصرية القديمة في التجسيد.
لكن عبلة يستند إلى تخصّصه الأكاديمي، وهو الذي درس النحت في كلية الفنون والصناعات بمدينة زيورخ السويسرية عام 1981، بعد تخرّجه من كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية سنة 1977، وصمّم تمثالاً يعكس أسطورة سيزيف، حيث لا يزال منصوباً في إحدى المدن الألمانية، ويبدو أنه يستحضره بطريقة أو بأخرى في هذا المعرض.
يذهب الفنان إلى تصوير تلك العلاقة بين الإنسان والصخرة التي يتجاوزها معها في حالات وهيئات مختلفة في تعبيرات رمزية للأسطورة الإغريقية التي عاقب زيوس فيها سيزيف بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل إلى القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة من جديد، ويظل هكذا إلى الأبد، لتصبح رمز العذاب الأبدي.
ضمن هذه الفضاءات، يطرح عبلة تساؤلاته عن وجود الإنسان من خلال تقديمه في شكل من الحوار بينه وبين الصخرة في فضاء درامي مركزه الحركة دون كثير انتباه إلى ملامح العنصر البشري في محاولة للتركيز عليه كجزء من الكون والوجود في إطار تفاعلاته معهما.
يقول في حديث صحافي سابق: "كنت أبحث عن وسيلة وتقنية أستطيع أن أنقل بها مشاعري الفنية دون تقيّد بمراحل النحت الطويلة، واستطعت أن أبتكر وسيلة أنقل بها الرسم إلى النحت مباشرة، دون المرور بخطوات الصبّ والقالب التقليدية، وهكذا استطعت الاحتفاظ بحيوية رسومي عند انتقالها إلى منحوتات، والحفاظ على القيم التصويرية التي أريد أن أنقلها دون أن أفقد إحساسي الخاص".