- أرصوي، المتقن للغات عدة بما فيها العربية والفارسية، عبّر عن تطلعات إسلامية جامعة، معارضًا النزعات القومية الضيقة والتغريب، وقضى جزءًا من حياته في مصر متأثرًا بأفكار المصلحين.
- "مركز يونس أمره الثقافي" في الدوحة ينظم محاضرة لإحياء ذكرى نشيد الاستقلال ومعركة جناق قلعة، مسلطًا الضوء على دور أرصوي في الدفاع عن العالم الإسلامي وتأثيره الثقافي والأدبي.
تُشكِّل شخصيّة الشاعر التركي محمد عاكف آرصوي (1873 - 1936)، نموذجاً فريداً عن المُصلِح والأديب الذي واجه القوى الاستعمارية الغربية، حيث خلّدت أشعارُه الانتصار عليها إبّان حرب الاستقلال التركية (1919 - 1923)، وبالأخصّ كتابته لـ"نشيد الاستقلال" الذي أقرّه البرلمان في الثاني عشر من آذار/ مارس عام 1921.
ورغم أن قصيدته قد فازت بمسابقة لكتابة نشيد وطني لرفع معنويات الجنود والمواطنين، إلّا أنّه رفض استلام مكافأة عنها لأنه كان يرى أنّ الأعمال الوطنية يجب ألّا تُكافَأ بمقابل مادّي، قبل أن يُقرِّر القبول بالجائزة المالية بشرط أن يتبرّع بقيمتها إلى إحدى الجمعيّات الخيرية.
ضمن هذا السياق، ولمناسبة ذكرى مرور مئة وثلاثة أعوام على إقرار نشيد الاستقلال، وإحياءً لذكرى "معركة جناق قلعة"، يُنظِّم "مركز يونس أمره الثقافي" في الدوحة، عند التاسعة من مساء اليوم الأحد، مُحاضَرة بعنوان "رسالة محمد عاكف أرصوي وروح جناق قلعة" باللغتين العربية والتركية، ويقدّمها الباحث التركي رجب شانترك، عميد كلية الدراسات الإسلامية في "جامعة حمد بن خليفة".
عبّر في اشتغالاته عن مناهضة القوى الاستعمارية وتطلّع صوب وحدة إسلامية جامعة
ينطلق المُحاضِر من الظروف التاريخية التي اُختِير فيها "نشيد الأمّة" (نشيد الاستقلال) في عام 1921 من بين 700 قصيدة ليكون النشيد الرسمي للجمهورية التركية، وكيف كانت "معركة جناق قلعة"، عاملاً فارقاً في أحداث الحرب العالمية الأولى، ونقطةَ التقاء للدفاع عن العالَم الإسلامي برُمَّته، شارك فيها العرب والأتراك والأكراد على حدّ سواء. كما يتطرّق شانترك إلى الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لـ"جناق قلعة"، والتي ما زالت حاضرة بمدلولاتها التاريخية إلى اليوم.
وتلتفت المُحاضَرة أيضاً إلى شعر محمد عاكف أرصوى، مثل مجموعة القصائد التي شكّلت ديوانه الأوّل "صفحات"، ونشرها في مجلّة دوليّة عمل على تأسيسها بعنوان "صراط مستقيم"، تحوّلت فيما بعد إلى "سبيل الرشاد". كما خلّد الشاعر، الذي ينحدرُ من قرية في غرب كوسوفو تُدعى شوشيتسا، معركة "جناق قلعة" من خلال كتابته قصيدة "إلى شهداء جناق قلعة" التي تعدّ من روائع الشعر التركي المعاصر.
ومن نشيد الاستقلال، نقرأ: "هذه الأوطان جنّة، أليس تفديها الدماء؟/ لو لمست الأرض لمساً لاستفاضت شهداء/ لا أُبالي لو فقدتُ الروح والأموال لا أخشى الفناء/ كلّ ما أخشى ابتعادي عن بلادي أو فراق أو جفاء".
إلى جانب التركية، أتقن أرصوى العربية والفارسية والفرنسية، كما كشف في اشتغالاته الترجمية وكذلك مواقفه عن تطلُّعات إسلاميّة جامعة، بعيداً عن النظرة القومية الضيّقة وفَرْضِ المظاهر التغريبية على المجتمع التي تقطع بقوّة مع التراث الإسلامي للبلاد.
وعلى إثر هذا الموقف، قضى أرصوى الشطر الأخير من حياته، بين عامَي 1924 و1936، في مصر، حيث تابع ترجمتَه للقرآن، وانشغالَه بأفكار مُصلحين كمحمد عبده، الذي سبق أن ترجم له كتاب "الإسلام بين العِلم والمدنيّة" عام 1911؛ فضلاً عن عمَله في "جامعة فؤاد الأول" ("جامعة القاهرة")، وتعزيز علاقته بمثقّفين مصريّين مثل سعيد حليم وعبد الوهاب عزّام ومحمد فريد وجدي. ثم عاد إلى إسطنبول للعلاج، حيث رحل في السابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر عام 1936.