محمد سعيد الزعيم.. نوستالجيا للأندلس

14 نوفمبر 2020
قصر المورق في إشبيلية (Getty)
+ الخط -

تناولنا في مقال سابق رحلة الاقتصادي السوري البارز محمد سعيد الزعيم إلى ليبيا بعد استقلالها. وفي المقال التالي سنتناول رحلته إلى الأندلس، تلك الرحلة التي أظهرت المكانة الخاصة لهذا البلد في وجدان جيل النهضة العربي. إذ كانت الأندلس تمثل صورة حية للأمجاد الماضية، حيث شكلت دافعاً روحياً للكثير من الذين آمنوا بفكرة القومية العربية وسعوا لتحقيق الوحدة بكل ما ملكوا من طاقات.

إلى طليطلة

قصد الزعيم طليطلة بالسيارة وبينها وبين مدريد 75 كم. ووصل إليها يوم السبت 14 كانون الأول (ديسمبر) 1957 ووقف في مدخل القلعة أمام باب الشمس، يستعرض التاريخ من أحجار هذا الباب الأثري ومن آثار العرب الخالدة، منذ أن فتحها طارق عام 714 للميلاد، كما قال، وقد كانت عاصمة القوط ثم صارت بعد الفتح الإسلامي من أعظم وأهم القواعد الأندلسية. ويضيف: "هي بموقعها على المنحدرات الصخرية العالية الممتدة حتى ضفاف نهر التاجه، الذي يحيط بها من الشرق والغرب والجنوب، وبأسوارها الضخمة وقلاعها الحصينة، تثبت أنها من أمنع مدن العصور الوسطى".

ويلاحظ الزعيم أن المدينة جاثية على رابية يحيط بها سور لا تزال أقسامه العربية باقية، والأزقة الداخلية فيها تشبه أزقة مدن الشرق القديمة تماماً، في ضيقها والتوائها وتعرجها، وما فرشت به من بلاط الحجر الأسود الصغير وطراز البناء، لا سيما القديم منه كله عربي دمشقي. ويستطرد في وصف هذه البيوت قائلاً: "إنك لتجد الدار فيه تحوي وسطاً مكشوفاً من حوله الأروقة وبئر الماء والدلو والحبل على الطريقة القديمة، والأشجار في الوسط، والأبواب كلها شرقية التكوين، والنجارة صغيرها وكبيرها، وللكبير منه باب خوخه، ولا تزال المفروشات تحتفظ بطابعها القديم العربي، من أسرة النوم إلى المقاعد إلى غرف الطعام".

ويشير إلى أن أهم ما في طليطلة كاتدرائيتها العظمى التي قال إنها تحتل مكان المسجد القديم الجامع، وقد كان هذا المسجد كنيسة قوطية قديمة فحولها المسلمون وقت الفتح إلى مسجد طليطلة الجامع، واستمر هذا الجامع قائماً يؤمه المسلمون المدجنون بعد سقوط طليطلة بيد الإسبان زهاء قرن ونصف حتى أمر بهدمه الملك فرناندو الثالث وأمر بأن تبنى مكانه هذه الكاتدرائية العظيمة، في نفس الوقت الذي سقطت فيه غرناطة. ويقول: "يوجد في الكاتدرائية لوحة كتب عليها بالإسبانية: في سنة 1492 فتحت غرناطة وكل ممتلكاتها على يد الملكين فيرديناند وإيزابيلا، وفي نفس هذا العام في نهاية شهر تموز أخرج جميع اليهود من جميع ولايات قشتالة وأراجون وطليطلة، وفي السنة التالية كان إتمام هذه الكنيسة".

لفت الزعيم الأنظار إلى وجود نقوش خشبية مصورة تحت القبة الكبرى تمثل قصة حصار غرناطة وافتتاحها

ويلفت الزعيم الأنظار إلى وجود نقوش خشبية مصورة تحت القبة الكبرى تمثل قصة حصار غرناطة وافتتاحها، ويبدو فيها فرسان معممون هم الفرسان المسلمون، كما تبدو مناظر الحمراء وقلاعها وتبدو صور الملك فرديناند والملكة إيزابيلا كل على جواده وتسمى هذه النقوش افتتاح غرناطة في عصر الملكين الكاثوليكيين. ويشير إلى أن أهم صروح طليطلة القديمة التي تتصل بالعصر الإسلامي هي القصر (ALCAZAR) ويصفه بأنه: "بناء قديم ضخم شيد على صخرة عالية تطل على نهر التاجه أمام قنطرة وكان أيام الرومان حصناً فجدده ملوك القوط ثم جُدد أيام المسلمين وأنشأ به الحكم بن هشام أمير الأندلس في سنة 797 م قلعة منيعة لضبط مدينة طليطلة وقمع ثوراتها وكانت تستعمل حصناً ومقراً للحاكم، وقد حولت فيما بعد إلى ما يسمى اليوم (القصر) وقد استعمله الإسبان كقلعة لحصانته، ثم حوله ملوكهم إلى قصر للإقامة فيه. ولعب في الحرب الأهلية الإسبانية الأخيرة دوراً هاماً حيث اعتصم به المليكون أنصار الجنرال فرانكو واستطاعوا الدفاع عنه حتى تم لهم الظفر على الجمهوريين".

إلى إشبيلية

وفي يوم الأحد في 15 ديسمبر يركب طائرة إلى إشبيلية، ويصفها بأنها مدينة مشرقة جميلة تتخللها حدائق البرتقال والليمون فتكسبها بهاء ورونقاً. وهي تبعد عن مدريد 550 كم. قريبة من البحر الأطلنطي، وتقع على نهر الوادي الكبير، وعرفت يوماً ما في أيام العرب باسم حمص لأن أجناد حمص كانت في طليعة الجيوش الإسلامية التي دخلتها.

ويقول: "جمال إشبيلية أكبر من أن يوصف، وليس فيها اليوم من الآثار الإسلامية سوى القليل. وتحتفظ فقط بدرّتيها الإسلاميتين الفريدتين، وهما منارة مسجدها الأعظم و«القصر» ذو الطابع الإسلامي الفريد. والمسجد لم تبق منه وحدة قائمة بذاتها، فقد أزيل وأقيمت مكانه كنيسة إشبيلية العظمى، التي تعتبر بضخامتها وفخامتها ثاني كنيسة في العالم بعد كنيسة القديس بطرس. ومن الجامع لم يبق قائماً اليوم سوى صحنه القديم ومنارته. وقد قام بإنشاء هذا المسجد خليفة المسلمين أبو يعقوب يوسف الموحدي سلطان المغرب والأندلس في سنة 1172، وأنفق عليه أموالاً طائلة، وأتمه ولده المنصور وأنشأ منارته الشهيرة التي ما تزال قائمة ويعرفها الإسبان باسم (لاخيرالدا) وارتفاعها ستة وتسعون متراً، وهي إحدى منارات ثلاث متشابهات من طراز واحد وفي عهد واحد، أما المنارتان الثانيتان فهما منارة حسان في الرباط التي لم تكمل، والمنارة الكتبية في مراكش".

ويلفت الزعيم النظر إلى أنه لم يبق من مسجد إشبيلية إلا صحنه، ويقول إنه "ما يزال يحتفظ بشكله وموقعه القديم، وفي وسطه نافورة أندلسية، وكذلك بقي باب الجميع الرئيسي كما هو بعقده وزخارفه البرونزية الإسلامية، وقد نقشت على كلتا قبضتيه الضخمتين ما يأتي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد. ويبلغ عرضه نحو خمسة أمتار وارتفاعه عشرة، والمنارة الآنفة الذكر يصعد إليها من الداخل بواسطة ممرات منحدرة صاعدة مرصوفة بالآجر تبلغ نحو الثلاثين، وبها في ثلثها الأوسط أربع طبقات من المخادع الجانبية لها نوافذ ومشرفيات عربية، زينت واجهاتها بنقوش عربية ومغربية بديعة، وتعلو هذه الطبقات الأربع طبقة خامسة ذات أروقة ومشرفيات عالية، والظاهر أنها كانت طبقة المؤذنين، ثم تأتي بعد ذلك الطبقة الأخيرة، وهي اليوم برج أجراس الكنيسة، ذلك أنه قد وقع في الثلث الأعلى من المنارة تغيير عظيم، حيث أزيلت سارياتها الإسلامية المذهبة «التفافيح» والقسم الذي يليها من الأسفل، وأبقي هيكلها الرئيسي بطبقاته الخمس على أصله، ثم بنى الإسبان فوقه في أواخر القرن السادس عشر برج الأجراس من طابقين، ونصبوا فوق البرج تمثالاً برونزياً للإيمان ارتفاعه نحو خمسة أمتار".

إلى قرطبة

وفي صباح يوم الاثنين يتوجه الزعيم وصحبه بالسيارة إلى قرطبة والمسافة إليها 140 كم. قطعوها في طريق وسط سهول مكسوة بالزيتون والزراعات الشتوية في أرض خصبة جداً. والطريق معظمها عريضة معبدة. ويقول: "مررنا بعدة مدن ظاهر من معالمها أن بها آثار حصون عربية ومساجد حولت إلى كنائس أو عادت لحالتها السابقة. وقد قضينا ساعتين للوصول إلى قرطبة وقد اجتزنا الوادي الكبير في مداخلها، وفي أول الجسر مدخل برج عال من آثار العرب وسارعنا إلى الجامع الحزين نطفئ الشوق إلى الأثر الخالد من آثار المسلمين في الأندلس وإن كانت قد غيرت الأحداث الكثير من معالمه أو حولت مواقعه جميعاً إلى كنائس جامعة وكاتدرائيات".

ويضيف: "لم يبق بها اليوم، إذا استثنينا مسجدها الجامع القديم، ما يذكرنا بماضيها الضخم وتكاد قرطبة إذا استثنينا أيضاً بعض الدروب المحيطة بالجامع ولها ما يشابهها في إشبيلية التي تحاكي دروب دمشق القديمة ومنعطفاتها وأكشاكها، تكاد تخلو من كل أثر للطراز الأندلسي القديم. ودخلنا جامع قرطبة أو La Mezquita Aljama الذي تحيط به الدروب الضيقة من جوانبه الأربعة وتبدو على جدرانه وواجهاته الخارجية آثار الإهمال والقدم. حتى إذا بلغنا فناءه الواسع واجهنا الأثر الذي هو من أبدع الآثار الأندلسية الباقية".

ويقول واصفا هذا الجامع: "كان للجامع قبلاً تسعة عشر باباً طليت بالنحاس الأصفر، وقد أجريت الفضة في حيطان محرابه، وصب في سواريه الذهب الأبريز واللازورد. أما المنبر فقد صنع من العاج ونفيس الخشب، وهو مؤلف من ستة وثلاثين ألف قطعة منفصلة، رصع أكثرها بالأحجار الكريمة، وسمر بمسامير من الذهب، وبنيت دور إلى الجانب الغربي من المسجد لنزول فقراء المسافرين وأبناء السبيل.

وفي المسجد مئات من الثريات التي صنعت في حينها من نحاس أجراس الكنائس وكان بالمسجد ثلاثمئة خادم لإيقاد البخور من العنبر والعود. وتبدو روعة هذا الأثر الإسلامي العظيم للداخل من أول نظرة، ويحار النظر في تأمل عقوده وأعمدته المتقاطعة التي لا تدرك العين نهايتها، وتبلغ عقوده في الطول تسعة وعشرين، وفي العرض تسعة عشر، ويبلغ ارتفاع سقفه نحو اثني عشر متراً، وقد أزيلت القباب القديمة من الجامع ما عدا القبة الرئيسية الوسطى، وحلت محل القباب سقوف مضلعة. والمحراب الباقي فخم مزين بالنقوش والآيات القرآنية، ومن جملتها بسم الله الرحمن الرحيم، حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، أمر الإمام المستنصر بالله الحكم أمير المؤمنين أصلحه الله بعد عون الله فيما شيده من هذا المحراب، بكسوته بالرخام رغبة في جزيل الثواب وكريم المآب، في شهر ذي الحجة من سنة 354هـ".

جمال إشبيلية أكبر من أن يوصف، وليس فيها اليوم من الآثار الإسلامية سوى القليل

ويتابع وصفه للمكان: "وقفنا في حرم الجامع وأمام المحراب خاشعين لله وللتاريخ، نجيل النظر في أخشاب السقف وكلها من الأرز، ونتطلع إلى القيشاني الجميل وإلى تلك الأعمدة ولم يبق منها غير 850 عموداً، وإلى تلك الكنائس العديدة التي ملأت جوانب الجامع، وإلى تلك الأروقة وما سد منها والذي ما زال من الأبواب أيضاً، وإلى محال الوضوء الباقية، وإلى بيوت المدرسين والعلماء، وإلى المئذنة التي تحولت إلى منارة أجراس، فتتملكنا الدهشة التي يتعرض لها كل من يرى هذه البقية من الآثار التي تدل على عظمة الماضي. وكأن روح عبد الرحمن الداخل كانت تلاحقنا وهي أسيرة في محبس هي غريبة فيه، بعد أن كانت تملأ الأجواء عزة وجبروتاً وأمجاداً، لتستنطقنا حال الأرض التي منها هاجرت إلى تلك البلاد. والحقيقة أن روعة الجامع هي فوق كل وصف، وأثره في نفس زائرة تبعث على الاحترام لذاك الماضي المجيد".

ويبدو أن قرطبة قد أثارت شجون الزعيم ورفاقه فخرجوا من جامعها يبكون بدمع سخي، مستقى من أعماق الفؤاد على أمجاد العرب الماضية، كما يقول، ليقفوا أمام الباب الوحيد، الباقي من أبواب قرطبة القديمة، وهو المسمى باب المدور Puerta de Almadovar، وهو يقع في جنوب غربي المدينة على مقربة من الجامع.

إلى غرناطة

ويتجه الزعيم ورفاقه من قرطبة إلى غرناطة والمسافة بينهما 172كم في طريق كلها جبلية وعالية ومكسوة بأشجار الزيتون التي لا حد لها، ويمرون بعدة مدن وقلاع وحصون ربما تكون أكثرها من بقايا القلاع الإسلامية، ووصلوا غرناطة بعد مسير ثلاث ساعات ونصف وحلوا في فندق الحمراء وهو فندق فخم بني بالقرب من قصر الحمراء يشرف على مدينة غرناطة من عليائه وقد بنيت قاعاته على الطراز المراكشي المغربي كما أخذت بعض القوالب البنائية عن قصر الحمراء وأدخلت في بعض جدران وسقوف الفندق فكان فيها الكثير من عبارات: لا غالب إلا الله، وما النصر إلا من عند الله.

ويقول: "معناها بالإسبانية (الرمانة) وهي شعارها التاريخي، وحمراء غرناطة هي بلا ريب أعظم آثار الأندلس الباقية وهي ما زالت كما كانت منذ عصور، تشرف بأبراجها وقبابها المنيفة من هضبتها العالية على المدينة الإسلامية القديمة من ركنها الجنوبي الشرقي فتسبغ عليها آيات من الروعة والجلال. وكان أول ما تضطرم به مخيلتنا أن نرى درة الآثار الأندلسية الفريدة قصر الحمراء الذي حرف الإسبان اسمه فأصبح يعرف في العالم الغربي باسم Alhambra.

وبعد أن اجتزنا (باب الرمان) الذي بنى في عهد الإمبراطور شارلكان، استقبلتنا غابة رائعة تضم ثلاثة طرق عريضة يفضي الأول إلى (الأبراج الحمراء) والثاني إلى قصر (جنة العريف) والثالث إلى (باب الشريعة) أول أبواب الحمراء وقد كان مجازاً لذوي المظالم. وفي الساحة التي تليه كان يجلس السلطان أو نائبه للفصل في المظالم في يوم معين جرياً على تقاليد خلفاء الأندلس وملوكها السابقين".

 ويضيف واصفاً باب الشريعة بأنه يرتفع "نحو خمسة عشر متراً ونقش على قوسه بخط أندلسي متشابك ما يلي: (أمر ببناء هذا الباب المسمى «باب الشريعة» أسعد الله به شريعة الإسلام كما جعله فخراً باقياً على الأيام، مولانا أمير المسلمين السلطان المجاهد العادل أبو الحجاج يوسف بن مولانا السلطان المجاهد المقدس أبي الوليد بن نصر كافأ الله في الإسلام صنائعه الزاكية وتقبل أعماله الجهادية فتيسر ذلك في شهر المولد المعظم من عام تسعة وأربعين وسبعمائة، جعله الله عزة وافية وكتبه في الأعمال الصالحة الباقية) ويوافق هذا التاريخ سنة 1348م. السلطان الحجاج هو أعظم سلاطين مملكة غرناطة حكم من سنة 1333 إلى 1354م وهو الذي شيد أجمل وأفخم أجنحة الحمراء".

ويقف الزعيم وصحبه أمام قصر الحمراء، قبلة الرواد من سائر أنحاء الأرض، متخيلاً حواراً بين القصر وبين زواره حيث يقول القصر: أجل هنا كانت ثمة مملكة وثمة ملك وعرش، وبين جدراني كان يقيم سلاطين آخر مملكة إسلامية استمر تاريخها يدوي في الآفاق زهاء مائتي عام، عنوان مدنية زاهرة تركت آثاراً خالدة، ثم كنت قبراً لهذه المملكة، عندما وقع في أحد أبهائي أبو عبد الله آخر ملوك الأندلس ووزراؤه معاهدة تسليم غرناطة والحمراء وحكموا بذلك على دولتهم بالمحو وعلى أمتهم بالفناء.

الحمراء وقاعاتها

ويعود الزعيم وصحبه للبكاء على أطلال الأندلس وهم يقفون بين جدران قصر الحمراء الصامتة التي يكاد الأسى يرتم على زخارفها ونقوشها العربية يضطرم الخيال بهذا المصير، كما يقول. ويضيف: "غالبنا الدمع ونحن نجوس خلال تلك الأبهاء الملوكية الفخمة وعبارة (ولا غالب إلا الله) شعار بني نصر ملوك غرناطة تتمثل أمامنا في كل واجهة وركن". ويصف الحمراء وصفاً مفصلاً: "بنيت فوق هضبة مرتفعة طولها 736 متراً وعرضها 200 متر ويحيط بها سور ضخم بقيت منه إلى اليوم أجزاء كبيرة.

ويتخلل السور عدة أبراج وأبواب بقي معظمها إلى اليوم، وأهم أبراجه الباقية هي برج الحراسة وبرج قمارش وبرج العقائل وبرج الأميرات وغيرها. والجناح الأول هو أول ما يراه الزائر وتتقدمه الساحة المعروفة باسم فناء البركة أو فناء الريحان Patiodelas Arrayanes وهو فناء كبير مستطيل مكشوف تتوسطه بركة من الماء تظللها أشجار الريحان وقد نقشت في الزوايا العبارة الآتية: النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي عبد الله أمير المؤمنين، والآية: وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم..

ويفضي باب فناء الريحان الشمالي إلى بهو صغير يسمى بهو البركة، به قبلة زينت بنقوش جميلة. أما بهو السفراء فهو أعظم أبهاء الحمراء لسعته وارتفاع قبته الشاهقة وقد حفرت زخارفها على شكل النجوم، ولا يمكن وصف جماله. وفيها الكثير من الشعر والآيات القرآنية، واسم مولانا أبو الحجاج عن نصره، ثم فناء الأسود أو كورة السباع، وقد قام بإنشاء هذا القصر أو الجناح، السلطان محمد الغني بالله الذي تولي العرش في سنة 755هـ 1354م. والذي ما زال اسمه ماثلاً في مواضع كثيرة من هذا الجناح، ويعتبر فناء الأسود بطرازه المصقول وقبابه المضلعة وأعمدته الرشيقة وزخارفه البديعة ونافورته الفريدة، التي تحملها الأسود الاثنا عشر أروع أجنحة الحمراء وأوفرها رواء وسحراً".

وينتقل بعد ذلك إلى قاعة بني سراج التي تنسب إلى الأسرة الغرناطية الشهيرة، التي لعبت دوراً كبيراً في حوادث غرناطة الأخيرة، وهي قاعة تعد آية من آيات البناء والزخارف العربية والخشب المعقود، ثم ينتقل ورفاقه إلى قاعة الملوك أو قاعة العدل ومجلس السلطان الخليفة، ثم إلى الحمامات ذات المصاطب للاستراحة والجرون الكبيرة التي تحل محل المغطس والقمريات، وغرف نوم الخليفة والحرم السلطاني، ومحاريب الصلاة تستقبلك بآيات وحكم بينات: أقبل على صلاتك ولا تكن من الغافلين، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين. وخرجنا من الأبهاء إلى الحدائق، وفي أطرافها مساكن العلماء والعمال والمرافقين والحجاب، وكلها تطل على غرناطة من عل.

المساهمون