محسن كديوَر.. دراسات في حريّة العقيدة

15 أكتوبر 2023
محمد بوزورجي/ إيران
+ الخط -

ضمن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب "حدّ الردّة وحرية العقيدة - نقد عقوبة الارتداد وسبّ النبي طبقًا لموازين الفقه الاستدلالي" للمفكّر الإيراني محسن كديوَر بترجمة الباحث العراقي حسن الصراف.

يسعى الكتاب إلى مناقشة أسئلة تندرج تحت عنوان "الردّة والتجديف"، مثل: حال الحرية الدينية في الإسلام المعاصر ومواقف المسلمين المحافظين والإصلاحيين من الردّة والتجديف والبدعة، والفروق الجوهرية بين السنّة والشيعة في هذه المسائل وغيرها، انطلاقًا من منظور شيعي، ثم عروجًا على الخطوط العامة لمواقف أعلام السنّة المعاصرين منذ مطلع القرن العشرين في الموضوع، ما سيتيح أمام القارئ دراسة مقارَنة بين مذهبي الإسلام الرئيسين.

يستشهد كديوَر بمقتطفات من كتب أربعة من علماء المسلمين السنّة سماهم بـ "المحافظين"، وهم: الطاهر بن عاشور: الذي يذهب إلى أن مصطلح "الحريّة" لا بمعناه القديم وهو نقيض الرق بل بمفهومه الحديث وهو الحق في اعتقاد أي شيء أو رفض اعتقاده، حتى الدين، لم يعرفه المسلمون السنّة سوى من أوروبا القرن الثامن عشر خلال الحقبة الكولونيالية، ووهبة الزحيلي: الذي يذهب في أحد كتبه بعد إيراد أصناف الردّة وأحكامها، إلى أن المذاهب السنّية الأربعة أجمعت على قتل المرتدّ بسبِّ الرسول، وجعل أمواله وقفًا، وفسخ زواجه من زوجته المسلمة، ومحمّد الغزالي الذي اختار عنوان "حول حرية الارتداد" لفصل في كتاب له، توصل فيه إلى أن الردة إلى الإلحاد أو إلى دين آخر ليس شأنًا شخصيًّا بل للتمرد على الشرائع والقوانين والدولة، وأن هذا "شذوذ" لا يمكن البتّة القبول به، ويوسف القرضاوي الذي يعتبر في أحد كتبه أن الردّة "كبرى الجرائم، لأنها خطر على المجتمع وكيانه، وعلى الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال"، ويرى وجوب التفريق بين ردّة الداعي إلى بدعته، الذي كفر وتحول حربًا على أمته.

يناقش الكتاب أسئلة تنعلّق بالحرية الدينية ومواقف المسلمين المحافظين والإصلاحيين من الردّة والتجديف

ويعرِّج أيضاً على من يسميهم "أصحاب الاتجاه الإصلاحي" لدى أهل السنّة، مستعرضًا آراءهم، ومنهم محمّد عبده الذي نشر أفكارَه تلميذُه محمّد رشيد رضا، ومحمّد توفيق صدقي، وحسن إبراهيم حسن، وعبد العزيز جاويش، وعبد المتعال الصعيدي، وعبد الحميد متولي، ومحمّد فتحي عثمان، والصادق المهدي، ثم ينتقل إلى دراسة اتجاه ظهر في ثمانينيات القرن الماضي، حلَّل تحليلًا نقديًّا دلالة "المرتدّ"، وأنكر أصحابه أي عقاب دنيوي على ترك الإسلام أو الإساءة إليه، واعتبر حرية الدين مبدأً جوهريًّا في الإسلام، ومن هؤلاء: جمال البنا، ومحمّد سعيد العشماوي، ومحمّد الطالبي، واحميدة النيفر، وعبد المجيد الشرفي، وفرج فودة.

ويورد كديور أدلة عقاب الردّة وأحاديث صحيحة مروية عن الأئمة، ويقسم المواقف الشيعية في هذه المسألة إلى ثلاثة أصناف: الموقف المحافظ (الأغلبية)، والموقف شبه الإصلاحي (أقلية)، والموقف الإصلاحي (أقلية قليلة ولكنها تتنامى)، حيث اختار نصّين رئيسين وآخرين ثانويَّين ضمن الاتجاه الشيعي المحافظ وممثّليه كالخميني وما ورد في "موسوعة الفقه الإسلامي طبقًا لمذهب أهل البيت"، وأحمد الخوانساري، ومحمّد رضا الموسوي الكلبايكاني.

غلاف الكتاب

ويدرس الكتاب الاتجاه شبه الإصلاحي ومن أهم فقهائه: محمّد الخالصي، ومحمّد الحسيني الشيرازي ومحمود أيوب، ومحمّد حسن مرعشي شوشتري، وسيف الله صرّامي، ومحمّد حسين فضل الله، ومحمّد مهدي شمس الدين، وعبد الكريم الموسوي الأردبيلي، وحسين علي منتظري نجف آبادي، وأورد كذلك ذكر كثير من علماء الاتجاه شبه الإصلاحي يُعتبرون امتدادًا لأفكار من مروا وتلامذتهم، أمثال: محمّد علي أيازي ومحمّد سروش محلاتي وأحمد قابل وأحمد عابديني، وحسين أحمد الخشن.

وعن الاتجاه الإصلاحي، يحلل المؤلف آراء مهدي بازركان الذي نحا إلى أن الردّة الفردية ليست تركًا لعقيدة التوحيد، بل تهمة سياسية، وأن الإيمان والكفر شأن خاص بالإنسان، ولا يترتب عليه عقاب دنيوي، وأن عقاب سبّ المقدسات هو أن يمتنع المسلمون عن مخالطة مقترفها، وعلي گُلزاده غفوري الذي دعا إلى إعادة النظر في مسألة الردة، معتبرًا أن الإله ليس طاغية ينقم على الشخص بمجرد أن يخطئ، وأن الرسل لم يكرهوا الناس، فمن حقوق الإنسان الأصيلة أن يسير على وفق درايته ويختار سبيله بوضوح. أما المنظومة التي تخشى النقد فستحمل الناس برأيه على فتح باب النقد على مصراعيه. وقد أعدمت السلطات الإيرانية اثنين من أبنائه وابنته وصهره عقابًا له على أفكاره.

إلى جانب عدد من الوجوه الإصلاحية البارزة أيضًا: محمد جواد موسوي غروي وعبد الكريم سروش ومحمّد مجتهد شبستري وأبو القاسم فنائي، وغيرهم كثير من الإصلاحيين الإيرانيين.
 

المساهمون