"متحف صون تراث السودان".. تدوين عبر سِيَر النساء

12 يونيو 2024
مُعلِّمة في إحدى مدارس الولاية الشمالية بالسودان، 27 أيار/ مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- السودان يشهد أزمة إنسانية مروعة مع استمرار الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023، مما أدى إلى مقتل الآلاف وتهجير أكثر من 8 ملايين شخص، بما في ذلك مجزرة ودّ النورة التي نفذتها مليشيا "الدعم السريع" في 4 يونيو، راح ضحيتها أكثر من 200 مدني.
- على الرغم من الدمار، تستمر بعض الأنشطة الثقافية والمبادرات التوثيقية في السودان وخارجه، مثل "متحف صون تراث السودان الحيّ" الذي يهدف إلى مشاركة التراث السوداني مع العالم، مع التركيز بشكل خاص على إسهامات المرأة السودانية في مختلف المجالات.
- "غُرفة النساء" في المتحف توثق إسهامات النساء السودانيات في الأدب، الفنون، التعليم، الطب، والقانون، بالإضافة إلى تسليط الضوء على شخصيات نسائية بارزة مثل المناضلة فاطمة محمد الحسن والمغنية شادن الحسن، مما يعكس تاريخ وأحوال البلاد من خلال سير وإنجازات النساء.

تحمِل الصور الأخيرة التي تصلُنا من السودان الكثير من الرُّعب والأسى على حال بلاد النيلَين هذه الأيام، وآخرُها المجزرة البشعة التي ارتكبتها مليشيا "الدعم السريع" بتاريخ الرابع من حزيران/ يونيو الجاري، في قرية ودّ النورة بولاية الجزيرة، جنوبي الخرطوم، وراح ضحيّتها أكثر من مئتَي مدنيّ. وما زالت الحرب الدائرة في البلاد، منذ تمرُّد هذه المليشيا في الخامس عشر من نيسان/ إبريل 2023، تودي بأرواح الآلاف من الضحايا، إضافةً إلى تهجير أكثر من ثمانية ملايين سوداني، في أكبر موجة نزوح يشهدها العالَم اليوم.

صحيح أنّ هذا النوع من الحروب يُحطّم عادةً كلّ حوامل العمل الثقافي، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ بعض هذا النشاط ما زال يجد متنفّسات له شرقي البلاد، وبالأخصّ في مدينة بورتسودان الآمنة نسبيّاً، وكذلك بعض المبادرات التوثيقية التي يقوم عليها ناشطون يُقيمون خارج السودان، ويسعون من خلالها لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من تراث وثقافة البلاد.

يُبرز إسهامات المرأة السودانية في الثقافة والتعليم والطبّ والقانون

"متحف صون تراث السودان الحيّ"، عنوان المُدوَّنة المُتحفيّة التي أُطلقت مؤخّراً عبر موقع إلكتروني (www.sslh.info)، في محاولة من القائمين عليها لمشاركة هذا التراث باللغتين العربية والإنكليزية مع العالَم، في وقت يجري فيه تغييب السودان وحصره في صورة الحروب والتهجير القسري. ويتكوّن الموقع من عدّة "غُرَف" أرشيفية، وأوّلها عن "النساء" (لا تزال الغُرف الأُخرى غير مُتاحة)، حيث يُوثّق هذا القسم، عبر ستّة عشَر مقالاً، إسهامات المرأة السودانية في الكتابة الأدبية، والفنون على مختلف أنواعها، والتعليم والتربية، والطبّ والقانون، بالإضافة إلى الأدوار الاجتماعية العديدة التي تحضر النساء فيها، مقترحاً أسماء من أقاليم وجهات البلاد المتنوّعة.

ومن بين أبرز ما يُوثّقه الموقع سيرة المناضلة فاطمة محمد الحسن، التي رحلت عن عالمنا العام الماضي، بعد مسيرة طويلة قضتها في الدفاع عن حقوق النساء السودانيات بشكل عام، ونساء ولاية دارفور بصورة خاصّة، حيث أسّست عام 1985 أوّل مساحة مُخصَّصة للنساء في "متحف نساء دارفور" بمدينة نيالا، كما وقفت ضدّ جرائم مليشيات "الجنجويد" في دارفور خلال العقد الأول من الألفية، قبل أن تعيَّن وزيرةً للشباب والرياضة عام 2012.

كما تُوثّق "غُرفة النساء" لسيَر شخصيّات معاصرة، من بينهنّ: الباحثة في مجال الأنثربولوجيا نعمات رجب، والمخرجة والطبيبة النفسية تماضر شيخ الدين جبريل، والناشطة النسوية نبأ صلاح، والروائيات ريم جعفر وصافية الحلو ومها أيوب، والمغنّية شادن الحسن، التي قُتلت في أم درمان إثر سقوط قذيفة على منزلها خلال الأيام الأُولى من الصراع الحالي، بالإضافة إلى نساء يمثّلن رموزاً وطنية في السودان؛ مثل الشريفة مريم المرغنية (1886 - 1952)، ورسّامة الكاريكاتير الرائدة فوزية حسن اليمني الكردفانية (1943 - 2005)، والفنّانة عائشة الفلاتية (رحلت عام 1974).

على أمل الخلاص من الحرب الدائرة، نتمعّن في خريطة الأسماء الواردة بـ"متحف صَون تراث السودان الحيّ"، فنقف على تاريخ وأحوال البلاد من خلال سِيَر وإنجازات النساء، حيث واجهت كُلّ امرأة من هؤلاء سُلطات وظروفاً سياسية واجتماعية لم تكُن أقلّ ممّا تواجهه السودانيات والسودانيّون اليوم.
 

المساهمون