مايا وعبادي: هموم ثقافية ونسوية

13 مارس 2022
مايا وَعْبادي خلال إطلاق المجلّة (تصوير: جميلة حيدر)
+ الخط -

قبل قرابة عشر سنوات، فتحَت "جامعة بوزرّيعة" في الجزائر العاصمة تخصُّصاً جديداً للدراسات العُليا في حقل النشر. وقد كانت تلك المرّةَ الأُولى والأخيرة التي يُدرَّس فيها؛ إذ جرى الاكتفاءُ بدفعة واحدة (2012)؛ كانت مايا وَعْبادي (مواليد 1988 في الجزائر العاصمة) إحدى خرّيجاتها.

بنبرة مازحة، تقول: "أشعر أنّ الدورة افتُتحت فقط لأدرس صناعة النشر". تخصُّصٌ سيقود الشابّة الجزائرية، التي تحمل أيضاً شهادة بكالوريوس في الأدب الفرنسي (2010)، إلى العمل مع "منشورات البرزخ" التي ستقضي ستّ سنوات فيها، قبل أن تُؤسِّس دار نشر باسم "دوافع"، كانت باكورةَ إصداراتها مجلّةٌ ثقافية بعنوان "فصل"، صدر عددُها التجريبي في خريف 2018، مُتناولاً "فترة التسعينيات في الأدب الجزائري".

في حديثها إلى "العربي الجديد"، تقول وَعْبادي: "فضلاً عن غياب المجلّات الثقافية في الجزائر، لاحظتُ أنّ دُور النشر عندنا، بما فيها البارزةُ منها، تكتفي بإصدار الكتب بأنواعها المختلفة، ففكرّتُ في أن تُصدِر دار النشر التي أسّستُها ما يفتقده غيرها. وهكذا وُلدت المجلّة".

تُنجَز المجلّةُ بشكل يدويّ، وقد صدرَت منها أربعةُ أعداد إلى الآن. ويُنتظَر أن يصدُر عددُها الخامس بالتزامن مع الدورة المقبلة مِن "معرض الجزائر الدولي للكتاب" (24 آذار/ مارس - 01 نيسان/ إبريل)، وسيكون مُخصّصاً لملفّ "الصحافة والأدب".

وإلى جانب "فصل"، أصدرت "دوافع"، قبل أيام، دورية ثانية باسم "لَبْلاصة"؛ وهي مجلَّةٌ نسويةٌ تصدُر بدعم من "مؤسّسة فريدريش إيبرت" الألمانية. عن فكرة إطلاق المجلّة الجديدة، تقول وَعْبادي: "إنْ كانت 'فصل' قد أتت لملء الفراغ الذي أوجده غيابُ مجلّات ثقافية في الجزائر، فإن 'لبلاصة' تنطلق من غياب منابر يُمكن الاستماع مِن خلالها إلى صوت المرأة؛ فوسائل الإعلام لا تدعو النساء، عادةً، سوى ليتحدّثن عن قضاياهُنّ. أمّا الشأن العام؛ القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية وغيرها، فغالباً ما تجري الاستعانة برجال للحديث فيها"، لافتةً إلى أنّ العدد تضمّن مشاركة كاتبات وصحافيات وطبيبات وفنّانات، في محاولة لـ"الإسهام في تسليط الضوء على كفاحهنّ وأعمالهنّ".

مجلّة تكتبها نساء بالكامل، وتتوجّه إلى المرأة والرجُل

تترأّس مايا وَعْبادي تحريرَ المجلّة بالاشتراك مع سعديّة قاسم؛ وهي باحثة ومناضلة نسوية تُحضّر حالياً لدكتوراه في علم الاجتماع حول قانون الأُسرة في الجزائر. أمّا محتوى العدد، فكتبته نساءٌ بالكامل. تقول المتحدّثة عن هذا الخيار: "المجلّةُ نسويةٌ، ومن الطبيعي أن تكتبها نساء. لكنّها موجَّهةٌ إلى المرأة والرجُل على حدّ سواء".

إلى جانب سعديّة قاسم التي كتبت مقالاً عن "النسوية والحراك" وآخرَ بعنوان "طلاق السيّدة س التعسُّفي"؛ روت فيه وقائع معركة قضائية خاضتها امرأةٌ في قضيّة طلاق، تحضُر أسماء بن عزّوز في حوارٍ مع فضيلة شيتور بومنجل؛ الطبيبةِ المتخصّصة في الغُدد الصمّاء ورئيسة "شبكة وسيلة"، وهي جمعية مناهِضة للعنف الممارَس ضدّ النساء والأطفال تأسّست عام 2000. وفي الحوار، عادت شيتور بومنجل إلى نضالها كطبيبة وناشطة جمعوية، وإلى تجارُبها الميدانية مع النساء.

وتحضُر هاجر بالي في حوار مع الممثّلة المسرحية والأخصّائية النفسية مريم مجقان، تطرّقت فيه إلى تجربتها بين المجالَين، وآرائها حول النضال النسوي؛ قائلةً: "أساند كلّياً النضال النسويّ، وسأسانده طوال حياتي. لكنّني لست مناضلة نسوية"، معبّرةً عن عدم اتّفاقها مع "الحركة النسوية الراديكالية التي تُقصي الرجال، وترى فيهم جميعاً معتدين"، معتبرةً أنَّ "حلّ المشاكل التي يعيشها المجتمع الجزائري، المتّسم بالأبوية، لا يمكن أنْ يأتي من طرف واحد فقط".

الصورة
مجلة لبلاصة - القسم الثقافي

وكتبت فريال لعلامي عن "تطوُّر الحركة النسوية في الجزائر بين 1989 و1991"، وإيمان أماني عن "سرطان عنق الرحم". وتحت عنوان "تعدادٌ للتنديد"، تحدّثت نريمان مواسي ووئام أوراس عن قصّة الموقع الإلكتروني "لا لقتل النساء - الجزائر"، الذي أسّستاه عام 2020 لرصد الجرائم المرتكَبة ضدّ النساء في الجزائر، وعن تعاطي وسائل الإعلام المحلّية مع تلك الجرائم باختلاف أنواعها، شارحتَين منهجية العمل الصارمة التي ينتهجها الموقع من أجل الوصول إلى معلومات مفصَّلة عن كلّ جريمة، والتحقُّق منها، كما قدّمتا قائمةً بأسماء نساء جزائريات قُتلن خلال 2021.

ضمّ العددُ، أيضاً، مقال رأي بعنوان "الأمومةُ آخر الديانات" للروائية سارة حيدر، إلى جانب قصّة قصيرة للكاتبة سعاد لعبيز بعنوان "كسكس لقيلولة عبدو"، ومختارات من أعمال المهندسة المعمارية والمصمّمة الحضرية ريما رزايقية، مِن مشروعها الفنّي "وجوهٌ حضرية"، الذي اشتغلت فيه على "ديار المحصول"؛ وهو حيٌّ في الجزائر العاصمة صمّمه المهندس الفرنسي فرناند بويون (1912 - 1986)، ويتكوّن مِن قسمَين: شماليٌّ كان مخصَّصاً للمستوطنين الأوروبيّين، وجنوبيّ خُصّص للجزائريّين.

تصدرُ المجلّة باللغتَين الفرنسية والعربية. غير أنّ كلَّ مواد العدد "صفر" كُتبت بالفرنسية، ونقلتها المترجمة جميلة حيدر إلى العربية، وهو ما تفسّره وَعْبادي بالقول: "لم يكُن الأمر مقصوداً. فجميع المشاركات في العدد يكتبن بلُغتين، لكنّهن فضّلن الكتابة بالفرنسية"، مضيفةً: "سنحرص على حضور نصوص كُتبت في الأصل بالعربية في الأعداد المقبلة".

توزّعت المقالات والحواراتُ والنصوص بين أبواب تُحيل تسمياتُها على أغانٍ وكُتب وأفلام أنجزتها نساء من الجزائر وخارجها؛ مثل: "واحدة أُخرى"، و"شظايا الأحلام"، و"نتي قدّامي وأنا موراك"، و"المستقبل غداً"، و"اسمعوني"، و"ساحرات"، و"واسعٌ هو السجن". وتضمّن كلُّ باب إشارةٍ إلى العمل الأصليّ وصاحبته. الهدفُ من ذلك، وفق وَعْبادي، هو "الكشف عن أكبر عدد ممكن من المرجعيات النسوية واستعادتها، ودفعُ القرّاء إلى معرفة المزيد عن تلك الأعمال وصاحباتها".

لا تدعو وسائل الإعلام المرأة سوى للحديث عن قضاياها

أمّا التسمية الرئيسية، "لَبْلاصة"، فهي تعبيرٌ عامّي مأخوذ من اللغة الفرنسية La Place (المكان). وعن دلالات التسمية، تقول وَعْبادي: "يعكس العنوان شغفنا بالكاتبة الفرنسية آني إرنو (1940)، وخصوصاً روايتها "المكان" (1983). لكنّه يُشير، من جهةٍ أُخرى، إلى ضغوط المجتمع على النساء، والتي تختصرها عبارة مثل "بلاصتك في الكوزينة" (مكانُكِ في المطبخ). المجلّة، بهذا المعنى، مكانٌ خاصٌّ بالنساء وأفكارهنّ، ودعوةٌ إلى أن يشغلن مكانهنّ ويستردنه، لأنه لا يزال مُصادَراً في كلّ مجالات الحياة العامّة".

ليست "لبلاصة" دوريةً شهرية ولا فصلية؛ إذ تصدُر مرّةً واحدة في السنة. تُفسّر مايا وَعْبادي لـ"العربي الجديد" ذلك بالقول: "يتطلّبٌ إنجاز المجلّة عملاً كبيراً على صعيد الكتابات المعمّقة والترجمة والتصميم والمراجعة. لذلك فضّلنا إصدارها بشكل سنوي"، مضيفةً: "كان بالإمكان إصدار مواد العدد في كتاب جماعي تكتب فيه النساء. لكنَّ مشكلة هذا النوع من الكتب أنّها لا تكتمل أبداً. أمّا في المجلّة، فيُمكننا، في الأعداد التالية، أن نُكمل حيث توقّفنا في العدد السابق؛ أنْ نُضيف في كلّ عدد جديد".

إضافةً إلى "فصل" و"لبلاصة"، أصدرت "دار دوافع للنشر"، بالتعاون مع "جمعية جسر" في برشلونة، كتاباً جماعياً في 2021 بعنوان "باولا"، وهو عملٌ يضيء على تجارب فنّانين من مدن تونس والجزائر وبرشلونة خلال جائحة كورونا. وتُصدِر قريباً كتاباً آخر بعنوان "قافلة سراج"، ينطلق من عمل بحثيّ أنجزه سفيان زوغار حول شخصية حميد سراج في رواية "الحريق" لمحمّد ديب؛ إذ كشف فيه أنّ الروائي الجزائري الراحل (1920 - 2003) استوحاها من شخص حقيقي؛ هو مناضل من مدينة معسكر يُدعى محمد بتسي.


بعد ثلاثة عقود

تُمثّل "لَبْلاصة" أوّل مجلّة نسوية تصدر في الجزائر منذ قرابة ثلاثة عقود؛ إذ أصدرت جمعيات نسائيةٌ عدّة مجلّات في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات؛ أضاءت فيها على قضايا نسوية مختلفة؛ مثل نضال النساء في الجزائر وبلدان أميركا اللاتينية، ونساء "الثورة الزراعية"، والنساء العاملات، إضافة إلى نصوص أدبية ومراجعات نقدية. أبرزُ تلك المجلّات: "Présence des femmes" (حضور المرأة) و"Eldjazairia" (الجزائرية).

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون