ماوريتسيو لازاراتو.. نظريات أضاعت بوصلتها

02 مارس 2022
ماوريتسيو لازاراتو
+ الخط -

رغم تكوينه غير الأكاديمي، يأخذ المفكّر الإيطالي ماوريتسيو لازاراتو (1955) موقعاً خاصّاً به في المشهد الفكري العالمي، ويعود ذلك أساساً لكونه يذهب رأساً إلى إشكاليات تُداورها المنهجيات الدارجة في البيئة الجامعية ولا تصل إلى ما هو أبعد من وصفها. منذ الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بالعالم في عام 2008، بدأ الانتباه إلى أصالة أفكار لازاراتو، إذ كان ينتقد المبالغة في التجريد في علم الاقتصاد، ويحاول إعادة ربطه بمنابعه الفلسفية.

كان أوّل مؤلفات لازاراتو ــ الذي يُقيم في فرنسا ويكتب بلغتها ــ بعنوان "قوى الابتكار" (2002)، وقدّم فيه دراسة تربط بين علم النفس والاقتصاد السياسي. وبعده بعامين أصدر كتاب "ثورات الرأسمالية" الذي بقي في الظلّ أوّلاً، ثمّ جرت العودة إليه بعد أن عرف مؤلِّفه الشهرة؛ ثمّ تلاحقت أعمال المؤلّف، ومن أبرزها: "العمل اللامادّي" (2010)، و"تصنيع الإنسان المديون" (2011)، و"رفض العمل.. ويليه بؤس السوسيولوجيا" (2014).

آخر مؤلّفات لازاراتو كتابٌ بعنوان "الحاضر غير المحتمل، استعجالية الثورة" (منشورات إيتيروتوبيا)، والذي سيقدّمه يوم غد الخميس في مكتبة "مونت أون لير" في باريس بداية من السابعة مساء.

يشير إلى فجوة واسعة بين أفكار الثورات وتجسيدها على الأرض

يهتم العمل الجديد بفكرة الثورة فيُعيد تقليبها، إذ إنّها ــ بحسب لازاراتو ــ مفهومٌ لا يمكن تجاوزه حين نريد فهم ما حدث خلال القرنين الأخيرين. لكنّ الثورة ــ وهنا موطن الإشكال الذي يثيره المفكّر الإيطالي ــ قد بقيت في شكلها المفهومي أكثر من تجسُّدٍ واقعي، أي أن لازاراتو يلاحظ فجوة واسعة بين الخطاب الثوري من جهة، والبرامج التي تحاول تجسيد ثورات على الأرض، من جهة أُخرى.

في هذا السياق، يدرس المؤلّف عدّة تجارب، أبرزها النضالات النقابية والحركات التحرّرية والتيّارات النسوية وما بعد الكولونيالية، وهي جميعها تحتوي على خلفيات ثورية ولكنها لا تُفضي إلى التغييرات الجذرية التي تعمل من أجلها. يرى لازاراتو أن هذه الإخفاقات تعود إلى عدم القدرة على البقاء في تماسّ مباشر مع فكرة الثورة ما إن يدخل المنفّذون منطقة التنفيذ الإجرائي.

غلاف

يتابع لازاراتو في هذا العمل اعتماد المقاربة العابرة للتخصّصات، وهو الذي يَعتبر أن كلّ جهد فكريّ اليوم ينبغي أن يقف في منطقة حدودية بين مجالات عدّة، وإلا فإن الظواهر تظلّ مُفلتةً من كلّ فهم. كما يشير إلى أنّ هذا الخيار هو الطبيعي في كلّ بحث، إلّا أن هيمنة الأكاديميين على الحياة الفكرية جعلت الوضعية المعاكسة تتفوّق.

من خلال انشغال لازاراتو بفكرة الثورة، لعلّنا نجد أفكاراً كثيرة تُفيد الواقع العربي الذي عبرت شوارعَه مؤشّراتٌ ثورية كثيرة لكنّها جميعاً دخلت منعرجات قادتها إلى غير ما كانت تأمله الشعوب. وهنا نلمس بشكل واضح ما يشير إليه المفكّر الإيطالي حول الفجوة الواسعة بين المنطلقات الثورية وكيفية تجسيدها...

المساهمون