ما هو الكتاب الذي ترغب أن يرافقك إلى جزيرة ستكون فيها وحدك؟ قال جون سذرلاند، مؤلّف كتاب "مختصر تاريخ الأدب"، إنّ برنامجاً أدبيّاً شهيراً كان يسأل المشاركين فيه هذا السؤال.
الأمر لافتٌ في الحقيقة، وأنا أعتقد أننا سنفكّر طويلاً قبل أن نختار كتاباً للرفقة، ولكنّنا سنختارُ كتاباً أدبياً، كما اختار جميع المشاركين في البرنامج، لا كتاباً في الفلسفة أو التاريخ، أو الرياضيات أو علم الاجتماع أو أي مجال معرفي آخر. على الرغم من أنّ كثيرين لا يقرأون الأدب، وثمّة مَن يقلّلون مِن شأنه عموماً، ومن أثره في الواقع، وفي الحياة، ويعتبرون الانشغال به يعكس فراغاً في الاهتمام بالجوانب العِلمية التي تعمل وحدها على تطوّر أيّ بلد أو مجتمع. ولكنك إذا ما وضعتهم أمام السؤال من جديد، سؤال الكتاب الوحيد في الجزيرة الصحراوية، واختاروا كتاباً أدبياً، فالسؤال الذي ينبغي أن يعقب ذلك هو: لماذا؟
الكتب التي تقرأها كالصداقة يُمكنها أن تكشفَ لك موقفك، ومكانتك، ومعنى وجودك في هذا العالم
يُفترض أولاً أن يكون المجيب قارئاً، أي قادراً على الاختيار: لدينا جوابٌ هو المُتعة، فالأدب الجيّد مُمتِع، القصة أو الحكاية التي تُروى بطريقة فنية هي التي تولّد المتعة لدى القارئ، هل يمكن أن نقول إن وجود شخصيات عديدة في رواية يمنح القارئ الوحيد شعوراً بكسر الوحدة؟ أو إحساساً بأنه لم يغادر المكان، ولا المجتمع؟ أو معرفة بمصائر الناس؟ وفي هذه الحالة فإن الأدب وحده هو القادر على منحنا مثل هذا الشعور، فالعلوم محايدة في ما يخصُّ العلاقة بين الإنسان والإنسان، والعلوم الإنسانية الأُخرى كالفلسفة مثلاً، تحوم حول الحياة العامة للبشر، لا حول حياة هذا الشخص أو ذاك. بينما تختص الرواية والقصة والمسرح بهذا الاسم المحدّد: كمال عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ، أو الطروسي في "الشراع والعاصفة" لحنا مينه، أو حامد سليم في "المترجم الخائن" لفواز حداد، أو حسيبة في رواية "حسيبة" لخيري الذهبي، أو ياسين الحلو في "مدارات الشرق" لنبيل سليمان، يُمكن لأيّ واحد من هؤلاء أن يرافقنا، ويمكن أن يأتي أيضاً الملك لير أو هاملت أو الأب غوريو، وأسماؤهم معروفة بفضل الشهرة والمكانة التي حصل عليها كلُّ واحد من هؤلاء في حياتنا اليومية.
وهناك فرصة الحوار مع العقل الذي يكتب الحكاية، ويبتكر الشخصيات، وهو حوار مزدوج، يناقش الكاتب المؤلّف الخالق، ويعطي رأياً في فكر الشخصيات وسلوكها وأقوالها.
وإذا أخذت "أوديب ملكاً" معَك فإنك سوف تنشغل بالقدَر من جهة، وبالمأساة الناجمة عن فِعله الرهيب في مصير الشخصيات، بينما يُمكنك أن تصحب "الجندي الطيب شفيك وما جرى له في الحرب العالمية"، وترى كيف يسخر ياروسلاف هاتشيك كاتب الرواية من الحرب وأبطالها التافهين. ويمكنك أن تختار التجوّل في شوارع القاهرة، والتعرّف إلى منازل المصريين، وطرق عيشهم، ومواجهتهم للمستعمِر مرّة، أو التعسّف الأبوي مرّة إذا اخترت الثلاثية. وفي كلّ مرة تختار كتاباً تكون قد قرّرت من أنت، فالكتب التي تقرأها كالصداقة يُمكنها أن تكشفَ لك موقفك، ومكانتك، ومعنى وجودك في هذا العالم.
* روائي من سورية