"ليالي المدينة" لمحمّد عبلة: تغيب الشمس ويُضيء مجتمعٌ لا ينام

30 ديسمبر 2022
من المعرض
+ الخط -

في أيار/ مايو الماضي، مُنح الفنانُ المصري محمد عبلة "وسام غوته" الذي يقدّمه "معهد غوته" الألماني، كلّ عام، إلى "شخصيات بارزة من العالَم أجمع" ساهمت في تقديم "خدمات استثنائية في مجال التبادل الثقافي الدولي". حينها، نوّه بيان المعهد بـ"اللغة الفنية الفريدة" التي طوّرها عبلة خلال مسيرته، والتي "تساعده في التعبير عن مواقفه من خلال أعماله"، مشيراً إلى دور عبلة في تعريف "الجمهور المحلّي والعالمي على كلّ جوانب المجتمع المصري"، وبتقديمه نظرة معمّقة إلى طبيعة المجتمع المصري وتراثه الغنيّ.

وإذا كانت تجربة عبلة (1953) قد استحقّت هذا التكريم، وغيره، فلأنها لم تتوقّف، منذ خمسين عاماً (أقام معرضه الأوّل عام 1972)، عن تجديد نفسها، والبحث في كلّ مرّة عن لغةٍ بصرية ومحمولات فنّية جديدة، وهو ما نقع عليه في معرضه الجديد، "ليالي المدينة"، الذي افتُتح في الخامس والعشرين من الشهر الجاري في "غاليري مصر" بالقاهرة ويستمرّ حتى الثاني عشر من كانون الثاني/ يناير المقبل.

الفنان المصري مقتنعٌ بأن الجمال يكمن في الحركة

بعد المنحوتات التي قاربها بموادّ خام مختلفة، واللوحات التي تناول فيها موضوعات تصوّر مشاهد من الطبيعة الصامتة، أو تلجأ إلى جماليات الحروفيات، أو تستلهم من التراث المصري القديم، يخرج الفنّان المصري هذه المرّة إلى الشوارع والساحات، مُراقباً الحياة الليلية العامرة في بلده، ولا سيّما في القاهرة.

وتبدو أعمال عبلة هنا وكأنها تُحاول التقاط جوهر هذه الحياة الليلية عبر مفهوم الحركة، في قناعة من التشكيليّ بمقولة هيغل (التي يقتبسها على صفحته في فيسبوك في سياق حديثه عن معرضه هذا)، بأن الجمال يكمن في الحركة. هكذا، تمتلئ اللوحات بالمُشاة وراكبي الدرّاجات الهوائية والنارية، والسيّارات، وبالباعة الجوّالين، ولا يهدأ هذا الحراك المتواصل إلّا أمام الطبيعة وجمالها، حيث يجلس شابٌّ وتقف فتاة بالقُرب من جسر يعلو النهر، وحيث نرى السابلة في مشيةٍ هادئة هدوءَ القارب الذي يتقدّم فوق ماء النهر في عُمق إحدى اللوحات.

الصورة
من المعرض
من المعرض

في توزيعه للعناصر على كلّ مساحةٍ في اللوحة، ينقل لنا محمد عبلة سَعةَ المشهد الذي يتجلّى أمامه، وهو مشهدٌ تمثّل الحركة، والحضور الإنساني، عصَبَه الأساسي، إذ لا ساحةَ من دون مارّة وأشخاص مشغولين بالحديث، ولا شارع من دون سيّارات أو درّاجات، ولا حتى ممشى مشجّر من دون متنزّهين. 

المدينة، هكذا، مأهولةٌ دون توقّف، وأضواؤها لا تنطفئ حتى في ساعات متأخّرة. هذه الأضواء، يُبدي الفنان المصري عنايةً خاصّة بها، في ظلّ غياب مصدر طبيعي للضوء في المشاهد الليلية، وهو ما نلحظه في تكثيفه للألوان الفاتحة والصارخة عند أعمدة الإنارة وأضواء السيارات والمحال، ناقلاً لنا، هنا أيضاً، سيرورة الحياة القاهرية، والمصرية عموماً، التي تبدو وكأن لها شمسين: شمس الطبيعة نهاراً، وشمس المجتمع وحراكه ليلاً.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون