شكّل المنفى جزءاً أساسياً في صياغة الموسيقى الفلسطينية، خاصة بعد نكبة عام 1948، إذ بدأت ثيمة الشتات، وردّات الفعل عليها بما فيها المقاومة، تحضر بقوة من خلال موضوعات غنائية وصياغات لَحنية مختلفة، كما انتقلنا من الجغرافيا الفلسطينية الوطنية إلى خريطة ممتدّة بين المدن والمنافي العربية والأجنبية.
ضمن هذا الإطار، صدر عن "منشورات الجامعة الأميركية" في القاهرة، كتاب "الموسيقى الفلسطينية في المنفى: أصوات المقاومة (اللاجئون والمهاجرون في الشرق الأوسط)"، للباحث والموسيقي الأيرلندي لويس بريهُني، ويتألّف من مقدّمة وسبعة فصول.
يُركّز العمل (قدّمه الباحث، عبر "زووم"، صباح اليوم في "الجامعة العربية المفتوحة" بعمّان) على الفِرَق الموسيقية الشعبية مثل "كوفية" و"صبايا الانتفاضة"، كما يقترح قراءات فنية للتجارب الفلسطينية البديلة. وينظر في قدرة الموسيقى على استعادة الفضاء العام المحتلّ بما تستوعبه من "ثورة جمالية"، وازدهار إنتاج شرائط "الكاسيت" في السبعينيات والثمانينيات، وهذا - برأيه - أدّى إلى توسيع الاعتراف بأصوات فلسطين وترسيخها كرسائل صمود ومقاومة.
ينطلق الكتاب، الذي استغرق العمل عليه عقداً من الزمن، من زاوية تحليل طبقية، تُؤطِّر البحث بمقدّماته ونتائجه، كما يستعين في قراءة نماذجه بمقولات حول تفكيك البُنى الاستعمارية، والهوية الوطنية، والذاكرة الجمعية، ومقاومة الاحتلال.
وجاءت عناوين الفصول على الشكل التالي: "جماليات المقاومة لأمّة منظّمة"، و"زعتر وزيت وفيروز: نشأة فلسطينية في الكويت، بدايات ريم كيلاني الموسيقية"، و"لا شيء يوقف التقاليد: لهجات التجديد الثقافي في المنفى"، و"أحلام القرية في مناطق غزة الحضرية: الانتفاضة الموسيقية لفتاة صغيرة"، و"تحطيم الأهرامات: ظواهر الراديكالية الفلسطينية في مصر، تامر أبو غزالة، و'القاهرة تحت الأرض'، وتأثير 'صابرين'"، و"عمل مقاومة أكثر صرامة: سعيد سلباق وموسيقى النزوح الداخلي"، و"أحلى أيام: طرب، ووطن، والجيل الجديد من الموسيقيين في غزة"، و"الصمود والمدينة: رفيق قديم وجديد في إسطنبول".
لويس بريهُني؛ ناشط وموسيقي وباحث في الموسيقى الفلسطينية، حاصل على الدكتوراه من "جامعة كينغز كوليدج" في لندن، يكتب في الشأن الفني والثقافي الفلسطيني في مواقع ومجلّات عديدة، وأخرج فيلماً وثائقياً بعنوان "كوفية: ثورة عبر الموسيقى" (2021).