طريقة لتخفيف الأحزان
كي تخفف الحزن عن روحك التي صارت جافّة وهشّة، مثل قرن خرّوب ملقى:
ارسمْ كائنات برؤوس عظيمة،
كائنات ترقّ حتى تصبح مثل حبالٍ من مسد،
كائنات تطارد شيئاً يلوح ويختفي أمامها،
كائنات تحملها أقدام عجلى
إلى صحراء باردة ليس فيها من الحياة إلا الريح.
خطوط سوداء داكنة كتومة، تلك التي تفضح كل سرّ!
■ ■ ■
صرت الآن أفهم
صرت الآن أفهم، أن الأحزان:
وديان، يتدحرج الموتى على ضفافها.
أشجار طلحٍ، رغم كلّ شيء تهب للعظاءات ما تحتاجه من ظلال.
■ ■ ■
هكذا يقاوم الضعيف
هكذا يقاوم الضعيفُ وهكذا يُهزمُ القويّ الغاشم.
حين ينعقدُ اللسان ولا يقدر على النطق، ينبت للعيون ألف لسان.
هكذا يقاوم الضعيفُ المظلوم، وهكذا يُهزمُ القوي الغاشم.
حين لم يعد تعجز القدم عن أن تتقدّم أو تتراجع، تمدّ الأرض بساطها.
هكذا يقاوم الضعيفُ المظلوم، وهكذا يُهزمُ القوي الغاشم.
حين يطرح الطائر في المدى أُغنيته، تنصت الأشجار إلى شجن عظيم.
هكذا يقاوم الضعيفُ المظلوم، وهكذا يُهزم القويّ الغاشم.
حين يتوقف الزمن فلا حراك، تقترب الشمس وينشق القمر.
هكذا يقاوم الضعيفُ المظلوم، وهكذا يُهزمُ القويّ الغاشم.
حين تسمعُ الكائنات الزلزلة في قلب الإنسان، يسقط مطر شديد..
هكذا يقاوم الضعيفُ المظلوم، وهكذا يُهزمُ القوي الغاشم.
حين تسقط على بيوت الناس النار والفوسفور، تصير الأيدي بطول الشوارع.
■ ■ ■
صورة من بيان الناطق الصحفي لجيش الاحتلال
حين تصير الأجساد رماداً أسود، تصدح مكبرات الصوت:
اهربوا.
امضوا حتى لا نقتلكم لاحقاً.
لا وقت لديكم لانتظار النبي،
أو جيش الأخ الجار.
سنهدّ هذا الجدار، وهذا الجدار.
لا عباءة الأمير المذهبة الأطراف، تخفي عريكم،
لا سبائك الذهب المخفية تسدّ جوع بطونكم،
ولن تبرأ جراحكم بلثغة الفقيه،
ويد الرئيس الناعمة.
■ ■ ■
أتذكر زكريا محمد
القيام فجراً ثم الجلوس أمام شاشة حاسوب، عمل مرهق حقّاً!
كيف كان الراحل زكريا محمد يفعله وجعله طقساً لا يحيد عنه؟!
زكريا الذي لو عاش حتى طوفان الأقصى، كان سيكتب:
اليوم صار لحياتي معنى وصار لفلسطين معنى وصار للكون معنى.
لكن أبا خميس سيبقى يراوح في الخميس وهو يلاحق السبت!
"من هذا الذي يضع الأزهار على قبري قبل طلوع الشمس؟!"
ينقرُ زكريا بسبّابة واحدة على لوحة مفاتيح ...
■ ■ ■
البريد
لقد توقّف البريد الذي يصل إلى المدينة
توقّف بائعو الحليب والقشدة عن المرور على البيوت المفتوحة على الخراب والشمس
توقّف العمّال عن المجيء إلى المخبز عند الفجر
توقّفتْ الضحكات التي كانت تُسمع خلف النوافذ والزعتر والشيح
توقفتْ الخطوات تماماً مثلما يتوقف عقربا ساعة نسيها عجوز في خزانة خشبية
لذا لن تصل القصائد إلى أصحابها،
فقد قُتل سعاة البريد، وقُتل الأصحاب
لن نجلس على طاولة الإفطار نتبادل الحجج عن
أيّ أنواع الجبن أفضل،
أيّ الجهات يكون عشبها به رائحة إكليل الجبل
النهار صار أخرس
والأيدي لم تعد قادرة على التلويح بالتحية
للموتى الراحلين على عجل!
رماد قاتم في كل مكان،
عويل نائحات يتردّد صداه في أفران محرقة!
* شاعر من ليبيا