كان يلاعب إبراهيم باليدين الجدار،
وحين في الفم مات النَّهارُ صرخَ:
"إن كان لِيَدي هذا النَّعش، فاعثروا
خلف خطوط اللَّوز عن جسمٍ كجسمي،
أجملَه باطن الكفَِّين. ربَّما يجمعُ
ما تبقَّى منِّي، ربَّما يترقرق هذا الرُّكام".
بعد المجزرة، انفصالِ العين عن الصُّورة،
والعنب عن الالتماع، اقرأوا كلَّ العروق
عالياً، وخليل وآلاء، وكم هو فسيحٌ في
"إسرائيل" وتافهٌ هذا الافتراس، وكيف لم نتقن
الدَّور، أرواحَنا التي تناولوها دفعةً واحدة.
يتباكى الرأسُ المُلتصق بالخوذة
حين يسألُه العالمُ "لِمَ وحشيَّتك؟"،
فيلعبُ لعبةَ نفسِه في التَّابوت
في الدَّار الأجنحة، عادت من البرَّادات. على
الجلد بقعُ الصُّراخ وليس في المُقلة غصنٌ
متين، فاليقين أنَّهم خمسة وماتوا، واليقين، قالوا
لها "إنَّهم ليسوا في مكان، والوسادة انفجرت
قبل أن تنقلي إلى قلبك تلك الرائحة".
أيمتى يمضي التُّراب
ويأتي بمعنى آخر؟
تلحقُ بنا الورودُ الصَّفراء، شبيهةُ الحياة،
وأورانوس وساتورن إلى الأنفاق،
فنهمس: "هجرنا الظاهر لأجل المكان
المحجوب، وتحت غزَّة غزَّة
ثالثة والبحر وبراعم الكهرباء".
يتنازل الفمُ عن اللُّغة أحيانًا، ويذرف
صبيانُ غزَّة بعضَ الضَّحك، يقتسمون الدبَّابة
حتَّى أذنيها، حتَّى آلهتها في الغيوم
نجمع الاحتضار مع الاحتضار وفينا
صبرا وشاتيلا، أكثر من مرَّة، وبيروت
ساعة اليد. هي الآن كلمات، شظايا في
الجبين ويحطُّ على الأجفان بكاء طويل.
أصحيحٌ هذا البنزين في كاليفورنيا؟
الخرابُ الذي فتحتموه؟
وألمانيا بين إبادتين، وكيف تتوب
عن الأولى بالثانية، تقايض أهدابًا بأهداب
في معرِض الكتاب، خصلةً بخصلة،
رغم نشيج الكائنات وعدنيَّة ولحم فلسطين.
الحلم يأتي بأعداد هائلة، حيث لا
تئنُّ الفكرة ويدسُّون في أيدينا ورقةً
لم تُلطَّخ بشيء، بأيِّ "إسرائيل"، وتكونُ
المحاجرُ هي اللَّون، والوجود حيًّا لا
يتراجع، رغمَ الوجع المستقيم، وكلِّ ما مُنعنا
من أنفاس، ومعنا جِنِين كأنَّها في مقامة
تُصحِّح الماء والشَّجر المقلوب.
يدٌ تقلِّد يدَ الله ضدَّ الإنسان كلِّه،
وعلى العرش الشَّيء والنظَّارات الواقية
ربّما تحتفظ الشمسيَّة بالمطر ويستأثر
الخردلُ بالحديقة، ربَّما تسمح السَّماء بكلِّ
شيء ويصل الفراتُ إلى غزَّة ليتأكَّد من كتف
الحبيب بعد أن تمتم الشافعيّ: "هي بغداد
وإن لم ترها قبل مجيء الأميركان، لم تر الدُّنيا".
نتأخَّرُ عن الموعد يومًا ما، وتزدحم العين
بشاطئ تام. يغصُّ الضَّوء بِشعرها أمام
الغُرف العمياء ويكون للموت موتٌ آخر،
عصفورُ حتفٍ خفيف، ونستند إلى المَلل،
خدِّ الكهولة، نزيح الشَّمس قليلًا كي
لا يقع على وجنتيّ الهرَّة نمشٌ مزعجٌ.
غير صالحٍ للاحتلال، كلُّ هذا الحبّ،
سَعَة فلسطين، ولا الصَّيف الذي أحضر الشِّتاء
لأجل نخل بَيسان.
* شاعرة وكاتبة لبنانية مقيمة في كندا.
** القصيدة تذكر إبراهيم الدّاهوك الذي فقد أسرته وبيته ويده، والشهداء؛ الشابّ خليل أبو حمادة، والطفلة آلاء قدّوم، والصحافيَّة الشابّة آلاء طاهر الحسنات.. لأرواحهم ولكلِّ شهيدات وشهداء غزَّة والضفَّة الغربيَّة فيض النُّور والسلام.