تُرجمت "نجمة" (1956)؛ الروايةُ الأبرز للكاتب الجزائري كاتب ياسين (1929- 1989)، الذي مرّت قبل أيّام ذكرى رحيله الثالثة والثلاثون، إلى الإنكليزية مطلع التسعينيات. غير أنّ كثيراً من نصوصه الشعرية ظلّت مجهولةً في هذه اللغة؛ إذ لم يُنقَل منها سوى النزر اليسير (والتساؤل مشروع أيضاً حول ترجمات شعره إلى العربية).
في كتابهما "كاتب ياسين: مناجاةٌ وقصائد أُخرى"، الصادر حديثاً عن "منشورات فرانز فانون"، يُخصّص الباحثان بوخالفة لعواري وكارمن كاراتون ماروا قسماً لترجمةِ مجموعة قصائد لصاحب "فلسطين المخدوعة" مِن الفرنسية إلى الإنكليزية، بينما يُخصّصان قسماً آخر منه لقراءة تجربته وأعماله التي توزّعت بين السرد والشعر والمسرح.
يعمل لعواري أستاذاً للغة الإنكليزية في "جامعة مولود معمري" في مدينة تيزي وزّو الجزائرية، بينما تعمل ماروا باحثةً في مجال لغات وثقافات شمال أفريقيا بـ"جامعة غرناطة" الإسبانية. وإلى جانبهما يحضر اسمٌ ثالث هو جوزيف فورد، الأستاذ في "جامعة لندن"، والذي كتب مقدّمةً للكتاب.
نجمة... النصٌّ التأسيسي
كانت "نجمة"، التي ترجَمها اللغوي الأميركي ريتشارد هوارد وصدرت عام 1991، أوّلَ ما قرأه فورد مِن الأدب الجزائري خلال دراسته الجامعية. إنّه "نصٌّ تأسيسي" أتاح له التعرُّف إلى تاريخ الاستعمار في الجزائر، مثلما يُخبرنا فورد في تقديمه، مُشيراً إلى أنَّ قصائد كاتب ياسين بقيت غير معروفةٍ بالنسبة إلى القارئ باللغة الإنكليزية. ومن هنا، تأتي هذه الترجمات لتُعطي حياة جديدةً لها، وفق تعبيره.
قصائد ترصد غضباً ويأساً وأملاً وحاجةً إلى التضامن
تكتسب هذه القصائد، بحسب فورد، أهمّيةً بالغةً ضمن نصوص ياسين؛ فهي ترصُد غضباً ويأساً وأملاً وحاجةً إلى التضامُن مع الشعوب المضطهَدة، بشكلٍ يُعبّر عن التزام صاحبها ووعيه السياسي.
نقرأ في الكتاب أيضاً قصيدةً للشاعرة والمترجمة الأميركية مارلين هاكر بعنوان "إلى كاتب ياسين"، وترجمةً لمقدّمة ياسين لقصيدته "مناجاة" التي كانت أوَّل نصّ شعري يكتبه. كان ذلك عام 1946، بعَيد مجازر الثامن من أيار/ مايو 1945 في سطيف. وهذه القصيدة، التي تناوَلت موضوعَي الحبّ والثورة، يرى نقّادٌ أنّها كانت البذرة التي ستخرج منها "نجمة" بعد عشر سنوات (صدرت الرواية عام 1956).
تتوزّع القصائد المترجَمة بين ثلاثة أقسام: "تأسُّفات روح ميتة" و"أغاني الذئب" و"قصائد أخرى". وفيها نقرأ عناوينَ مثل: "إلى أ. وولتر"، و"بعيداً عن نجمة"، و"نجمة أو القصيدة أو السكّين"، و"فراق الأجساد" و"أفارقة". المشترَك في هذه النصوص أنَّ ياسين كتبها في بداياته الأدبية، وظلَّ كثيرٌ منها مجهولاً بالنسبة إلى القرّاء.
قبل ذلك، يُخصِّص لعواري وماتوا القسم الأوّل من الكتاب للإضاءة على حياة وأعمال ياسين، مُتتبّعَين سيرته، بدءاً بتاريخ ومكان ولادته، ومحيطه العائلي، وبداياته الأدبية مع الشعر والأغاني الشعبية، وتعليمه، ومشاركته في مظاهرات 1954 ضدّ الاستعمار الفرنسي.
ثائرٌ داخل الثورة
يحمل هذا القسم عنوان "كاتب ياسين: ثائرٌ داخل الثورة". وفيه يرصد المُترجمان/ المؤلِّفان محطّاتٍ بارزةً في حياة صاحب "أشعار الجزائر المضطهدة" (1948)، ومن ذلك تعرُّضه لاعتقال والسَّجن لأشهر بعد تلك المظاهرات التي شملت مُدن سطيف والمسيلة وقالمة وخرّاطة وسوق أهراس واجهها الاستعمار بقمعٍ دموي أدّى إلى سقوط أكثر من 45 ألف شهيد، ثمّ خروجُه من السجن وسفره إلى عنّابة؛ حيث أصدر مجموعته الشعرية الأُولى "مناجاة"، ثمّ إلى فرنسا مطلع الخمسينيات؛ حيث أصدر روايته الأُولى "نجمة" التي حقّقت له شهرةً واسعة، واعتبرها نقّادٌ أجمل نصٍّ أدبي بالفرنسية لكاتب من خارج أوروبا.
يُضيء القسمُ أيضاً على مشاركة ياسين في الثورة الجزائرية (1954 - 1962) وانخراطه السياسي في الكفاح من أجل الاستقلال، وارتحاله بين مُدن مختلفةٍ من العالَم بسبب المضايقات التي كان يتعرَّض لها مِن قبل الاستعمار الفرنسي، وفترةُ المنفى هذه كانت مُثمرةً، بحسب الكاتبَين؛ فخلالها كتب أبرز أعماله وأكثرها شهرةً.
بعد استقلال الجزائر
يستمرّ بوخالفة لعواري وكارمن كاراتون ماروا سرْد محطّات حياة وأدب كاتب ياسين بعد استقلال الجزائر. في فترة الستّينيات، واصَل الكاتبُ والشاعر نشر أعماله، وأبرزُها في هذه الفترة روايتُه الثانية "المضلَّع النجمي" (1966) ومسرحيته "الرجل ذو النعل المطّاطي" (1970). ينتمي النصُّ الأخير إلى المسرح الوثائقي؛ حيث قضى الكاتب قرابة ثلاث سنوات في إعداد مادّته التوثيقية. أمّا موضوعه فهو حرب فيتنام، إذ يسقط ياسين الواقع الاجتماعي لهذا البلد على الواقع الجزائري بعد الثورة، ضمن قالب تجريبي.
ركّز في مسرحه الشعبي على المسائل السياسية واللغوية
ومع مطلع السبعينيات، سيبدأ تجرُبةً جديدة وفارقة بتجسيده، عام 1971، مسرحيته "محمّد خُذ حقيبتك"، أُولى نصوصه المسرحية المكتوبة بالعامية الجزائرية، على الخشبة، ثمّ تأسيسه لمسرح شعبي متنقّل عبر مدن الجزائر.
ثلاثون سنةً من التفكير في فلسطين
أحدُ أعماله البارزة في تلك الفترة مسرحية "فلسطين المخدوعة" (1977) المكتوبة بالعامية أيضاً، والتي قال ياسين إنّها كانت "حصيلة ثلاثين سنةً من التفكير في فلسطين" (صحيفة "المجاهد" الجزائرية، 24 نيسان/ إبريل 1978). يتناول هذا النصّ القضيّة الفلسطينية ومأساة الفلسطينيّين في الداخل والشتات، مُندّداً بمواقف الأنظمة العربية، والتي تتراوح بين الصمت عن جرائم الاحتلال الصهيوني، والتواطؤ معها.
بحسب الكاتبَين، فقد تميّزت كتابات ياسين، المسرحية منها على وجه الخصوص، خلال فترة السبعينيات، بالشاعرية، كما أنّ مسرحه الشعبي ركّز على المسائل السياسية واللغوية، وأعاد خلق عالَم خاصّ تُشكّله الرموز والأساطير والروايات الشفهية والتقاليد المحلّية، فضلاً عن تركيزه على قضية المرأة ومسألة الهوية.
ويخلص المؤلّفان إلى أنّ وعي كاتب ياسين وبحثَه الدائم عن الهوية الجزائرية تعكسهما الثيمات التي تحضر بشكل بارز في معظم نصوصه؛ مثل الموت، والعنف، والاضطهاد المرتبط بالاستعمار، والحب، والثقافة، والعادات والتقاليد.