- تستند الرواية إلى حياة جاكلين خوري، وتتبع مسار نسرين حوري في رحلتها المؤلمة من الزواج القسري إلى النضال ضد الاحتلال والخيانة، معبرة عن التحولات والاضطرابات بفلسطين.
- تغطي فترات زمنية مهمة من النكبة إلى اتفاقية كامب ديفيد، مقدمة رؤية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي ومصير الفلسطينيين، باستخدام رموز تعبر عن المأساة الفلسطينية.
نقرأ في رواية "الخرز الملوَّن" للكاتب المصري محمد سلماوي (1945) وصفَ الإبادة، وصفَ الخوف الذي تُسبّبه الإبادة، وهو خوف لا يُشبه خوفاً سِواه، لأنَّه خوف جماعي، مرتبط بفناءِ جنسٍ، بفناءِ جماعة. وهو في الرِّواية وفي الواقع خوف يتهدَّد الشعب الفلسطيني بأكمله. ولو أنَّ الرِّواية الصادرة عام 1990 تتحدّث عن مجازر رافقت نشأة كيان الاحتلال في دير ياسين ويافا، إلاَّ أنَّ حرب الإبادة التي يشنّها قتَلة الأطفال على أهالي غزّة اليوم، تُشير إلى الزَّمن الفلسطيني على أنَّه زمن المذبحة، زمن متصلٌ بدأ بالقتل، واستمرَّ بالقتل، ولا يوجد في آفاقه وضوحٌ سوى للقتل.
الرِّواية التي صدرت طبعتُها الجديدة عن "دار ديوان"، تستلهم الحياة المُضطربة الحافلة التي عاشتها الشاعرة والصحافية الفلسطينية جاكلين خوري (1925 - 1980) التي وُلدت في منزل على جبل الكرمل يطلُّ على بحر حيفا، ورحلت منتحِرةً في القاهرة، وقد رمت نفسها عن شُرفة الطابق الثالث لأحد المستشفيات. وبين لحظتَي الحياة؛ الهانئة في فلسطين، والموت انتحاراً في القاهرة، جَرى ماءٌ كثير في نهر الزمن الفلسطيني الذي تمثّله روائيّاً حكاية نسرين حوري، أيّما تمثيل، بما في الحكاية من تداخُل فلسطيني مصري. يعرضهُ النصّ في لحظات اختارها الكاتب ليقرأ المحطّات الرئيسية في ما يسمى الصراع العربي الإسرائيلي.
وُلدت في منزل على جبل الكرمل ورحلت منتحِرةً في القاهرة
الرِّواية مكتوبة على امتداد خمسة أيام، تبدأ مع النكبة وتستمرّ مع ثورة "الضبّاط الأحرار" في مصر، والوحدة مع سورية، إلى الحرب الأهلية اللبنانية، وأخيراً مع "اتفاقية كامب ديفيد". هذه التواريخ ترسم مسار الرِّواية، وهي روايةٌ في السياسة بقدر ما هي رواية اجتماعية؛ عن ابنة رئيس "بلدية يافا"، نسرين، التي تقرّر الزواج من شابّ عنوةً عن أبيها، وتستقرّ في القدس. ثمَّ مع انتشار عصابات الإرهاب الصهيوني، وإبان النكبة، تخرج مع والدتها من فلسطين، تُقتل والدتها عند الحدود. تصل إلى القاهرة، وفي داخلها تشتغل المأساة، مأساتها الشخصية بخسارتها والدتها، وبانكشاف طبيعة زوجها الذي سُرعان ما تخلَّى عنها، ولاحقاً خطف ابنها منها، ومأساة شعبها الذي هُجِّرَ من أرضه.
ونسرين هنا، تمثيلٌ لفلسطين في تحوّلاتها وفي اضطرابها، في امتلائها بالخيبة، وفي شعورها الدَّائم بأنَّها على وشك الوقوع في خديعة ما. خلال عملها في صحيفة "الأهرام"، ومع اختلاف سياسات الجريدة التحريرية باختلاف الرئاسة المصرية، واختلاف السياسة المصرية بصورة عامة؛ صارت الكاتبة الفلسطينية مقياساً لسياسة التحرير. إذ طُلب إليها الابتعاد عن السياسة في عهد الملك، ثمَّ صارت مُحرّرة في القسم السياسي في عهد الثورة، وأخيراً طُلب إليها أن تكتب مقالاً تمتدح فيه زيارة السادات إلى "إسرائيل"، لكنها لم تفعل... بهذه الصورة، فإنَّ حياة نسرين حياةٌ مُختَطَفَة، منذ البدء مع الاحتلال، ثمَّ مع سياسات الآخرين تجاه مأساة شعبها. وأن ينتهي مشوار عيشها، اكتئاباً، ثمَّ انتحاراً؛ أقلّ مراراً من وفاة أبيها، رئيس "بلدية يافا"، الذي حملَ عاملُ النظافة جثّته على كتفهِ، بينما القمامة في يده.
تستلهم الرواية حياة شاعرة وصحافية هُجِّرت من حيفا
بهذه القسوة، بهذه الدلالة القاسية؛ يظهر مصير الفلسطينيّين. والرّواية التي تحمل عنواناً دالّاً على المجوهرات التي كان الرَّجل الأبيض يعطيها للرَّجل الأفريقي، مقابل ثروات بلده؛ إنَّما تعرض مجموعة من الرموز الواضحة التي لا تخفي نفسها، ولا تتوارى، فهي تروي جانباً من حكاية لا تخفي نفسها، ولا تتوارى، إنَّها تروي جانباً من مجزرة صارَ لها عقودٌ تُنقل على الهواء.
حتَّى إنَّ الصهاينة نشروا في لافتات بالقدس تفاصيل جريمتهم في دير ياسين، كي يدفعوا العرب إلى مغادرة بيوتهم. وربّما لمرّات قليلة في تاريخ الإنسانيّة، يواجه شعبٌ قاتلاً يُشهر جرائمه، ينشرها في أزقّة القدس قديماً، وعبر منصَّات الإعلام كلّها اليوم. وقد صوَّر الصهاينة في الأيام الفائتة قصفهم لفلسطينيّين يجمعون المساعدات من غير أن يستطيع أحدٌ إيقافهم؛ القاتل طليقٌ في عالم اليوم، ولا أحدَ يضع الأغلال في يديه. فقط، تعترضه قوّة الحكاية التي تعيش وتُروى، وتُقرَأ مرّاتٍ ومرات.
* روائي من سورية