في وداع محمد عنيبة الحمري: شاعر الأزمنة القلِقة

28 ديسمبر 2024
محمد عنيبة الحمري (1946 - 2024)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- محمد عنيبة الحمري، شاعر مغربي بارز من جيل السبعينيات، تميزت قصائده بتعبيرها عن القلق المجتمعي وخلق توازن بين الواقع والخيال، مما أضفى طابعًا فريدًا على أعماله.
- امتد إبداع الحمري إلى الكتابة عن الشعراء وتاريخهم، حيث أصدر مجموعات شعرية وكتبًا متنوعة مثل "الحُبّ مهزلة القرون" و"الشوق للإبحار"، ودرس نهايات الشعراء المأساوية في "حين يخطئ الموت طريقه" و"إعدام الشعراء".
- كتاب "إعدام الشعراء" يدين الظلم التاريخي ضد الشعراء، ويعكس موقف الحمري الرافض لهذه الممارسات، معبرًا عن اهتمامه بتاريخ الشعراء ومهنهم.

يَنتمي الشاعر المغربي محمد عنيبة الحمري، الذي غادر عالمنا الأربعاء الماضي، إلى جيل السبعينيات؛ المرحلة الساخنة سياسياً واجتماعياً وثقافياً في المغرب. وعلى امتداد قرابة خمسين عاماً من تجربته، رسم الحمري (1946 - 2024) صورةً خاصّة لنفسه وشعره وعصره وجيله، من خلال قصيدته التي اتّخذت لون نفسيةِ شاعرٍ قلق في مراحل قلقة وصاخبة. ورغم ارتباطه الأسلوبي بجيل السبعينيات، جيل الشهادة والاستشهاد بتعبير عبد الله راجع، فإنّه ظلّ ينأى بنفسه لتحقيق الفرادة، جاعلاً من ثنائية الواقع وصورة الواقع وتصوُّره شعرياً تتناوب في القصيدة وتخلق توازناً فيها.

لم يبتعد الحمري، في كتاباته المختلفة، عن الشعر الذي صدرت له فيه مجموعات: "الحُبّ مهزلة القرون" (1968)، و"الشوق للإبحار" (1973)، و"مرثية للمصلوبين" (1977)، و"داء الأحبّة" (1987)، و"رعشات المكان" (1996)، و"سمُّ هذا البياض" (2000)، و"تكتبك المحن" (2013) و"تحتفي بنجيع القصيد" (2020). فقد كان الشعرُ، أيضاً، محور كتبه الأُخرى: "في الإيقاع الشعري: دراسة عروضية" (2002)، و"إعدام الشعراء" (2020)، و"حين يخطئ الموت طريقه" (2020).

أصدر كتابَين عن شعراء أُعدموا أو كانت لهم نهايات غريبة

في كتابه "حين يخطئ الموت طريقه"، تتبّع الشاعر الراحل بعض حالات الموت المؤلمة، والغريبة أحياناً، لشعراء عرب قدامى، منطلقاً في ذلك من ملاحظة مفادها أنّه "من النادر ما اهتمّ أصحاب التراجم في تراثنا العربي بتفاصيل وفيات الشعراء ونهايات بعضهم المؤلمة والمضحكة أحياناً. فقد عانت جماعة من الشعراء من نهايات غريبة وساخرة. وهُم يموتون فجأةً، وفي ظروف لم تكن في الحسبان، كالسقوط من على سطح، أو الغرق في سفينة تائهة، أو الارتطام بسارية، أو الموت فرحاً أو كمداً، وغيرها من الحالات التي تُعتبر موتاً مباغتاً لم تكن للشاعر يد فيه".

أمّا في "إعدام الشعراء"، فتناول سيَر شعراء عرب قدامى جرى التنكيل بهم لأسباب مختلفة. يقول الحمري في التقديم: "حين أتممت إعداد كتاب "إعدام الشعراء" قصدت أحد الجلادين القتلة ليضع له مقدمة باعتباره أحد المختصّين الممارسين في الميدان، فتساءل الرجل عن مضمون الكتاب، قلت: إنّهم شعراء اتُّهموا تهماً مختلفة، كالزندقة والإلحاد والعصيان والعشق، ولأسباب ذاتية أحياناً، وتمّ إعدامهم من طرف ذوي السلطان خاصّة، كالخلفاء والأمراء والولاة والقضاة. والأسياد، وبطرق مختلفة، كالخنق والقتل والشنق والسجن حتى الممات، وبأساليب أُخرى متنوعة. وبدا الرجل منشرحاً وهو يرحّب بالفكرة ثمّ اختفى. وبعد مدّة، عثرت عليه صدفةً واستفسرته عن مصير المقدّمة، فقال: لقد كتبتها بالفعل وكانت دموية، فأعدمتها، قلت: كيف؟ قال: مزّقتها إرباً إرباً، فقلت: لماذا؟ قال: إنها المهنة... هكذا يظهر الكتاب مقطوع الرأس دون تقديم".

غلاف

يمثّل الكتاب إدانةً للجلّاد. وعن ذلك يقول محمد عنيبة الحمري: "بقدر ما هو وصفٌ لعمل إجرامي من طرف الحكّام، كما أشرت في التمهيد المختصر للكتاب. فأنا ضدّ ما حدث، وأُفكّر في جزء ثانٍ حديث، فما زال الإعدام متواصلاً، ونذكر إعدام شاعر عراقي أخيراً من أجل قصيدة".

يُشكّل الكتابان المذكوران جزءاً من مشروع يستكشف مناطق تكاد تكون مجهولةً في حياة الشاعر وقصيدته، ويضمّ كتاباً ثالثاً كان في نية الشاعر إصداره، بعد أن نشر حلقات مسلسلةً منه تحت عنوان "شعراء لهم مهن"، واختار فيه عدداً من الشعراء العرب القدامى الذين كانوا يمتهنون حِرفاً مختلفة.


* شاعر وروائي ومترجم من المغرب

المساهمون