في إثر "بيغاسوس".. وليد ميدوزا الصهيونية

29 يوليو 2021
احتجاجات في نيودلهي مناهضة للولايات المتحدة و"إسرائيل"، 2018 (Getty)
+ الخط -

لا تبدو قضيّة برنامج "بيغاسوس"، أداة التجسُّس التي اخترعتها مجموعة شركات "NSO" الإسرائيلية، قضية تقانات إلكترونية تُستَخدم للتجسُّس على الحياة الخاصة للأفراد مِن سياسيّين ومعارضين وصحافيّين في مختلف أنحاء العالم، واستعمالِ المعلومات التي يمكن اقتناصها بطرق غير قانونية وغير أخلاقية فحسب، بل هي قضية ترتبط بكيان عدواني قام على اغتصاب أرض شعب، ويُواصل أداء وظيفته التي خُلق لها كقاعدة استعمارية ضاربة لمصلحة مطامع الغرب الذي لا تكاد تفارقه أحلامه الإمبراطورية وهي تأفل واحداً بعد آخر على مدار الخمسمائة عام الماضية، وآخرها أحلام الإمبراطورية الأميركية في ذروة توحُّش مجتمعها الصناعي/ العسكري.

الأخطر من ذلك - وفق بيانات تحقيق أجرته 17 مؤسّسة إعلامية عالمية، تضمّنت أرقام آلاف الهواتف وأسماء الشخصيات الموضوعة تحت رقابة هذا البرنامج الذي دفعت عدّةُ دول ملايين الدولارات لقاء رخصة استخدامه - أنه يعني تغلغل سطوة هذا الكيان في عدّة دول بأداته التي أُطلق عليها اسم "بيغاسوس"، وهو اسم حصان أسطوري مجنَّح وُلد من دماء الغولة البشعة، ميدوزا، ذات النظرة التي تُحوِّل من ينظر إليها إلى حجر، بعد أن قَطع بيرسوس رأسها، حسب الأسطورة اليونانية، وتحويل هذه الدول إلى شبه آلات تجسُّس صمّاء تزوّده بما تجمَّع لديها من معلومات، ليس عن صحافيّيها ومعارضيها في المقام الأول، بل عمّن يقاوم ويعادي هذا الكيان بالدرجة الأولى.

وفي الهند، إحدى البلدان التي اشترت البرنامج، أصدر "منتدى كتّاب الهند" و"حركة مقاطعة إسرائيل" (BDS) الهندية، بياناً جاء فيه أنَّ مجموعة الشركات التي اخترعت هذا البرنامج، وليدِ رأس الغولة المقطوع، هي "جزءٌ من نسيج إسرائيل العنصرية المحتلّة". ولم يكن هذا البرنامج آخر ما استوردته الهند، وهي واحدة من عشرة عملاء، من برامج قمع ومراقبة الصحافيّين وحركات مقاومة العنصرية من "إسرائيل".

قضية ترتبط بكيان عدواني قام على اغتصاب أرض شعب

وذكر البيان أنَّ "منظّمة العفو الدولية" و"قصص ممنوعة"، وهي منظّمة غير ربحية مقرّها باريس، "استطاعت الوصول إلى تسرُّب أرقام هواتف مختارة كأهداف فعلية ومحتملة منقولة إلى مشروع بيغاسوس بناءً على تحقيق المؤسَّسات الإعلامية المشترك، إلى مجموعة شركات NSO وعملائها. وكانت شركة واتساب قد اكتشفت في أواخر عام 2019 استخدام الطائر الأسطوري، بيغاسوس، ضدّ نشطاء ومحامين لهم ارتباط بقضية كوران بيما (أحداث عنف جرت أثناء الاحتفال بالمناسبة المئوية الثانية لمعركة سُمّيت باسم هذه القرية)، واتّضح أنّ الحكومة الهندية كانت تراقب وتقمع أيّ أصوات نقدية يمكن أن تنطق بالحقيقة".

وقال البيان إنَّ "حكومة الهند تستخدم، بتعاونها مع 'إسرائيل' ومجموعة الشركات التي اخترعت هذا البرنامج، تقانات إلكترونية تمّ تطويرها بوساطة استخدامها ضدّ الفلسطينيّين، ما جعل كفاءتها عالية، قبل أن تبيعها إلى عملاء في مختلف أنحاء العالم، بما فيهم أربع دول عربية تستخدمها لقمع وإرهاب وتصفية الصحافيّين والنشطاء السياسيّين. وتمتدّ شبكة العاملين على التجسُّس لصالح الكيان الإسرائيلي والدول التي تستخدمه من الهند إلى هنغاريا، ومن بعض الدول العربية وصولاً إلى المكسيك".

وطالب البيان "بمحاسبة مجموعة الشركات الإسرائيلية التي تقف وراء هذا البرنامج، جرّاء قمع وموت الذين استهدفتهم تقانتها الإلكترونية، والتي ليس عملها سوى رأس جبل الجليد الظاهر على السطح". وختم بالتركيز على ثلاثة مطالب، هي: "التوقّف عن شراء تقانة الرقابة الإلكترونية من الشركات الإسرائيلية والشركات المماثلة، والتوقُّف عن مراقبة وقمع أصوات المواطنين الهنود، وإلغاء العلاقات العسكرية والأمنية مع إسرائيل العنصرية".

تقانات طُوّرت بوساطة استخدامها ضدّ الفلسطينيّين

وحسب ما جاء في جريدة "لوموند" الفرنسية، فإنَّ عمل هذا البرنامج يقوم على سحب ما يحتويه الهاتف الذكي، من أي نوع كان، بما في ذلك الرسائل المتبادلة، ويمكنه فتح "مايكروفون" الجهاز ذاته. وأشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى ما أطلقت عليه انتهاكاً واسع النطاق للديمقراطية بوساطة هذا البرنامج. أمّا صحيفة "الوشنطن بوست"، فذكرت أنَّ عمليات التجسُّس بهذا البيغاسوس الطائر، أي المخترِق للحدود سواء كانت حدود دول أو هواتف، طاولت 37 هاتفاً ذكياً لصحافيّين وناشطين في مجال حقوق الإنسان كانوا على صلة بالصحافي جمال خاشقجي الذي قُتل في قنصلية بلاده بإسطنبول.

ويظلُّ التساؤل الأبرز، الأبعد من تجسُّس حكومات على معارضيها، عن مدى توغُّل "إسرائيل" في التجسُّس على الحكومات والأفراد، وهو تساؤل مبرَّر نظراً لقدرات هذا البرنامج وليدِ دماء الغولة البشعة ميدوزا حسب أحد الاستطلاعات الصحافية.
تتمثّل تلك القدرات في كون البرنامج يتيح للمتجسّس السيطرة على الهاتف الذكي، ويمكّنه من استخراج الرسائل الشخصية والمكالمات والصور، وتشغيل عدسات التصوير و"المايكروفونات" في الهاتف سرّاً، وقراءة محتويات تطبيقات المراسلة المشفَّرة، ومراقبة ما مرّ مِن تحرّكات لصاحب الهاتف، عبر تتبُّع موقعه الجغرافي.

ولعلّ في النقطة الأخيرة تفسيرٌ لعمليات اغتيال غامضة راح ضحيتها قادة مقاومة في عدد من العواصم العربية، ومقاومون فلسطينيون، على وجه الخصوص، تمكّنت أدوات الاغتيال الصهيونية من الوصول إليهم والتعرُّف إليهم في شوارع غزّة وغيرها من المدن الفلسطينية.


* شاعر وروائي وناقد من فلسطين

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون