تتعامل الفنّانة التركية فيليكشان أونار (1966) مع الزجاج ليس بوصفه وسيطاً فنياً إنما هو تعبير عن تاريخ حيّ، مليء بالمراجع الثقافية والاجتماعية، ويتضمّن مفردات ولغات بصرية تعكس تلك الأفكار حول الهويّات غير المكتملة، وسرد الروايات عبر فترات زمنية طويلة، والروابط التاريخية المُعقّدة والعلاقة بين السياسة والمجتمع في العالَم المعاصر.
كانت البداية حين تلقّت تدريباً في صناعة الزجاج التقليدي في إسطنبول، ثم أسّسست مشغلها الخاص عام 2003، وهي تمزج في عملها بين الحِرف اليدوية التاريخية والتصميم الحديث والفن المعاصر، وتستخدم تقنيات متعدّدة في تركيب أعمالها التي تعتمد على بحوث ميدانية مُطوَّلة.
"مُهشَّم، 2023" عنوان معرض أونار الذي افتُتح الأربعاء الماضي في الغُرفة الدمشقية بـ"متحف الفن الإسلامي" في الدوحة، ويتواصل حتى السابع من أيار/ مايو المقبل، ويتكوّن من عمل تركيبي لمجموعة من الطيور الزجاجية.
اختارت الفنانة الطيور في استكمال لعمل سابق قدّمته تحت عنوان "جاثم" الذي عُرض لأول مرّة في غرفة حلب في "متحف بيرغامون" ببرلين، وعكس موجات الهجرة الحالية حول العالم والتي ترتكز على استعارة الطير، ولكنّها تُشير على وجه التحديد إلى محنة اللاجئين في موطنها تركيا.
وفي عملها الحالي، تُحاكي أونار تقنيةً يابانية تقليدية تُستخدم عادةً لإصلاح الخزف، تُعرف باسم "كينتسوجي"، وفيها يتم لصق الأجزاء المُهشَّمة بواسطة الذهب، في محاولة لاستكشاف المرونة المتأصلة والقوّة التحويلية التي تنبثق من الشدائد، حيث ترمز الطيور للهشاشة والقوة، لكنها تخضع لعملية إصلاح وترميم، ممّا يعكس التعافي الذي يحدث في أعقاب الكوارث الطبيعية.
يُشير بيان المعرض إلى أن أونار تضيء المآسي التي خلّفتها الزلازل الأخيرة في جنوب شرق تركيا وشمال سورية، والتي أسفرت عن سقوط أكثر من 55 ألف ضحية، كما تُعالج في مجمل أعمالها قضايا النزوح وتستكشف في رحلتها الإبداعية التأثير العميق الذي تتركُه الاضطرابات السياسية والحروب والكوارث الطبيعية في نفوس الناس.
ويبيّن أيضاً بأن الطيور هي اللغة الفنية المفضّلة لدى أونار، أما الزجاج فهو المادة المثالية التي توظّفها في أعمالها، بحيث تبقى التصدّعات ظاهرة، وتُشبه بالأضرار الناجمة عن الكوارث، وتؤكد أنّ الجمال يبقى رغم التحوّل والتغيير. تستخدم الفنانة طيورها الزجاجية كإشارات معاصرة للسياسة والمجتمع والتاريخ.
يُذكر أن أونار أكملت تعليمها الجامعي في الاقتصاد وتاريخ الموسيقى في "جامعة كورنيل" ودراساتها العليا في "كلية هارفارد للأعمال"، وشاركت في العديد من المعارض في بريطانيا وألمانيا وفنلندا وإيطاليا، إلى جانب تركيا.