في عام 2021، أصدر الباحث الأميركي كايل جي. أندرسون كتابه "فيلق العمل المصري: العرق والفضاء والمكان في الحرب العالمية الأولى"، عن "منشورات جامعة تكساس"، ويروي فيه كيف جنّدت الإمبراطورية البريطانية نصف مليون شاب، معظمهم من ريف مصر، للقتال في صوف جيشها خلال الحرب الكونية الأولى.
ويشير الكتاب إلى أن سلطات الاستعمار البريطاني تراجعت عن وعدها بعدم تجنيد المصريين خلال الحرب، ما اعتبره الكثيرون في مصر شكلاً من أشكال العبودية، كما يوضّح كيف تعرّضوا إلى العنصرية خلال خدمتهم بوصهم ينتمون إلى "عرق" آخر.
أعلن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة عن ترجمته للكتاب الذي يصدر قريباً، ويوثّق، بالاستناد إلى أرشيف من أربع دول، تاريخَ تأسيس فيلق العمل المصري (ELC)، وما واجهه جنوده من معاملة سيّئة دفعت بعضهم للتمرّد وإعلان إضرابات رفضاً لاستمرارهم في القتال.
حارب الفيلق ضمن الكتائب "الملوّنة" التي ضمّت جنوداً من أصول أفريقية، وتمّ التمييز ضدّهم عرقياً وطبقياً
ويدرس المؤلّف تأثير الفيلق على ثورة 1919 بالدفع نحو استقلال مصر عن بريطانيا رغم هامشية تمثيلهم في الأحداث، بل يجادل في مساهمتهم الحقيقة في ترسيخ الوطنية المصرية عقب عودتهم إلى بلادهم بصورة غير مباشرة، رغم أن قصّتهم ظلّت منسية لعقود لاحقة.
ويعود أندرسون إلى مراسلات وزارة الخارجية البريطانية، والعديد من المذكّرات التي تناولت الحرب العالمية الأولى، ورسائل ومخطوطات غير منشورة كتبها ضبّاط بريطانيون أشرفوا على المصريين أثناء الحرب، وكذلك مطبوعة صغيرة كانت تنشر أخبار الفيلق، ومذكّرات قصيرة، واحدة منها مكتوبة باللغة العربية لأحد قُدامى المحاربين المصريين.
ويلفت إلى أن المصريين حاربوا ضمن الكتائب "الملوّنة" التي ضمّت جنوداً من أصول أفريقية، وتمّ التمييز ضدّهم على أسس عرقية وطبقية، ضمن ما اصطُلح على تسميته بـ"خطّ اللون". ولم يهتمّ بهم المؤرّخون الغربيّون الذي ركزوا في كتاباتهم على تجارب الضبّاط أو الجنود البيض، وتجاهلوا الملايين من الذين حاربوا من بلدان مثل الهند والصين وأندونيسيا ومصر وغيرها.
وانقسم الفيلق انقسم إلى قسمين، هما: فيلق العمّال، للقيام بالأعمال اليدوية وراء القوات الإنكليزية، وفيلق الجِمال، لنقل المهمات وغيرها من نهاية السكك الحديدية إلى الخطوط الأمامية، إذ كان التعاقد في البداية اختيارياً حتى حلّ عام 1917، وصار التجنيد إجبارياً، بحسب الكتاب.
وانخرط العمّال والجنود في العمل بمناطق مختلفة من فرنسا وإيطاليا وتركيا، وتركّز عملهم على تحميل السفن لنقل الإمدادات إلى الجبهة، وكذلك في العراق، حيث قاموا برصف بناء البصرة، وأُحْضِرَ ما يقارب ألف جندي مصري جرى تدريبهم للعمل كضبّاط شرطة بعد احتلال البريطانيين لبغداد، إلى جانب بناء خطوط السكك الحديدية ومدّ أنابيب المياه، وهي الجهود التي مهّدت الطريق أمام القوات الإنكليزية للتحرّك عبر صحراء سيناء.
يُذكر أنه صدر بداية العام الجاري كتابٌ آخر بعنوان "الفيلق المصري.. جريمة اختطاف نصف مليون مصري" للباحث محمد أبو الغار، الذي يستعرض الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكيفية تكوين الفيلق وجمع أفراده من الريف والصعيد، حيث يستند أبو الغار إلى مذكّرات سياسيين مثل سعد زغلول وأحمد شفيق باشا وعبد الرحمن فهمي، وكتابات المؤرّخ عبد الرحمن الرافعي.