- تتميز المسرحية بتصميم فريد واستخدام مبتكر لعناصر العرض المسرحي مثل السينوغرافيا وتصميم الصوت، مما يخلق تجربة غامرة وتأثيرية للجمهور.
- تطرح "فيزيا وعسل" تساؤلات حول الإرادة الحرة والاختيارات في الحياة، مع تركيز على مفهوم النهايات المحتملة والاحتمالات اللامتناهية للحياة، مما يدفع الجمهور للتفكير في القرارات ونتائجها المتعددة.
لعبة احتمالات مفتوحة تنتقل بين حدود الخُلود والحُبّ واللعب والمرض والموت، وحوارٌ يستدعي التناقضات العميقة بين الناس، أو ما يبدو عميقاً منها، لكنّه شرخٌ بسيط، وخيارات كثيرة قد تدفع إلى الندم على تفويت "أفضلها"، لكنّها تقود إلى التسليم بشكل من الأشكال. هذا هو الإطار العامّ لمسرحية المُخرجة اللبنانية لينا خوري (1976)، "فيزيا وعسل"، التي بدأ عرضُها على خشبة "مسرح المدينة" في بيروت، منذ أسبوعين وتتواصل حتى التاسع عشر من الشهر الجاري.
سؤال الخلود يبدو مزحة "كونديرية" (نسبة إلى ميلان كونديرا)، وبه يبدأ المشهد الأوّل، الذي يُقدِّم لنا قصّة حُبّ تجمع ماريان (ريتّا حايك) ورولان (آلان سعادة)، لكن سُرعان ما سيتمّ تفكيك هذا السؤال أو ربّما "تشذيره"، حتى لا يبقى منه شيءٌ سوى ما هو آنيٌّ وواقعيٌّ فقط، وما دون ذلك مجرّد عوالم موازية أو لعبة مرايا لا تنتهي.
مقاربةٌ مسرحية لمعنى الإرادة الحُرّة وإن كانت حقيقة أو وهماً
تُقدَّم "فيزيا وعسل" من خلال شخصيّتين عيانيّتين، لكنّ المَشاهِد التي تُستعاد أكثر من مرّة، تَعرِض لنا احتمالات جديدة، ما يُذكِّر بتقنية "تعدُّد الأصوات" في السرد، ومن ثم تدفعُنا إلى البحث عن لاعبِين جُدُد، ليس شرطاً أن يكونا المُمثِّلَين فحسب، بل في السينوغرافيا (حسن صادق)، وتصميم الصوت (جواد شعبان)، والإضاءة (محمد أسعد)، والملابس (سوزي شمعة)، والمكياج (ميغن عيتاني)، وكذلك لغة الإشارة (نائلة الحارس).
في "فيزيا وعسل" نحن أمام نصّ مكتوبٍ بالإعادة، الإعادة فيه هي المتن الأصيل، أو النرد الذي يُخبِرُنا بحكاية الاحتمالات، والمشهدُ "الأصل"، إن جاز التعبير، لا يُمحى ليُكتب فوقه آخر أكثر متانة منه، بل تُبنَى في موازاته نسخةٌ أُخرى لها أعطابُها المُحتمَلة. لسنا أمام خطّ ننتقل بين نقاطه إلى الأمام، إلى المستقبل، بل في دائرة كونيّة، وهذا شكلُ أرضيَّة المسرح بالفعل، دائرة كبيرة يُستعاد بين أقسامها كلُّ مشهد عدّة مرّات. قد لا يكون شرح الأمر بسيطاً بطبيعة الحال، وقد تُصعِّب هذه الترسيمة على المُتلقّي التقاطَ نُقطتَي البدء والانتهاء، أو حتى الحوار بين البطلَين رُغم بساطته، وحقيقةً يغيب النصُّ (المُقتبَس عن "أبراج" Constellations للمسرحي الإنكليزي نيك باين) أحياناً كثيرة خلف الأداء، تأخذُه مُغامرة الشكل وتنزع عنه "هالة" الحضور، ولا نراه يعود إلّا مستعيناً بعناصر العرض المسرحي أجمعها ومُنحلّاً بها.
بالعودة إلى التساؤل عن وجه العَطف ما بين الفيزياء والعسل، نجد أن الإجابة تقوم على الجَمْع بين البسيط والمُعقّد، وجهان مُحايثان لواقع واحد، يُمكن له أن يقود إلى لُعبة الخلود، كما يُمكن أن يكشف عن سخريات القدر، بالطريقة ذاتها التي صُنعت بها قصّة حبّ عميق بين ماريان، المُحاضِرة الجامعيّة في مجال الفيزياء، التي تفني وقتها في كتابة الأبحاث المُعقّدة، ورولان، النحَّال الذي يقضي يومه العادي في تربية النحل.
تتساءل المُخرجة لينا خوري التي عادت إلى المسرح بعد سنوات عن آخر عمل لها "حكي رجال" (2018)، في كلمتها التقديمية إلى أنّ ما شغلها من وراء المسرحية الجديدة هو مفهوم "الإرادة الحُرّة"، وفيما لو كانت "مجرّد وهم"، مفهومٌ لا ينفصل فيه الشخصيّ عن العامّ، تكتُب: "هل كنّا فعلاً قادرين على تغيير الطبقة الحاكمة؟ هل كانت بالفعل ثورة؟... هل كان قراري البقاء في البلد أفضل لي؟ هل كنتُ فعلاً أملك هذا القرار؟"، ولا شكّ في أنّ "فيزيا وعسل" تتضمّن احتمالات أجوبةٍ عمّا سبق من أسئلة وجوديّة.
أخيراً، رغم أنّ المرض ورحلة "الموت الرحيم" التي تستعدّ لها ماريان بصُحبة حبيبها، بعد أن تفشّى السرطان في جسدها وبدأ يقضمُ كلماتها ويُنسيها ماذا تريد أن تقول، هي المركز في المَشاهِد الأخيرة، لكنّ القَطْعَ عند هذه الذروة، واللجوء إلى نَثْر آلاف قِطَع النرد تحت الأقدام، بل تحت النصّ المُشظّى ذاته، يبدو وكأنه استعانةٌ بكلّ النُّسخ الموازية، واستحضار لتلك الظلال والفراغات، حتى لا نقف على "خاتمة" ناجزة وأخيرة.