"فهارس الشيوخ في الأندلس": ضوءٌ على عصر ذهبيّ

29 ديسمبر 2022
قصر المورق ("الكاثار"، حالياً) في إشبيلية، والذي يعود بناؤه للقرن الثامن الميلادي (Getty)
+ الخط -

تُشير مراجع تاريخية إلى أنّ بداية ظهور فهارس العلماء تعود إلى القرن التاسع الميلادي، مع رحلات الأندلسيين إلى المشرق لطلب العلم، حيث دوّنوا في كتب الرحلات التي ألّفوها قوائمَ مطوّلة بأسماء الدروس التي حضروها، والكتب التي وصل سندهم إلى مؤلّفيها، وما سمعوا من أحاديث، وما رُوي على أسماعهم من أشعار وغيرها.

بعد ذلك بنحو قرنين، ومع ازدهار العلوم في المدن الأندلسية، ازدادت هذه الكتابات بشكل واسع، واتّخذت عنواناً ثابتاً في معظمها، هو "الفهرسة"، والتي رسمت صورة دقيقة عن الحياة الثقافية في ذاك العصر وملامح نشاط الطلبة وطرق تلقّيهم العلم وأساليب التدريس.

يستعيد أُستاذا التاريخ الإسلامي والباحثان الأردنيان يوسف أحمد بني ياسين وعبد الهادي نايف القعايدة أحد الكتب المفقودة في هذا المجال عبر كتابهما الذي صدر حديثاً عن "دار أزمنة" بعنوان "فهارس الشيوخ في الأندلس: فهرسة الشيخ الفقيه أبي محمد عبد الله بن إسماعيل بن محمد بن خزرج اللخمي". وتأتي هذه المحاولة لإعادة بناء ودراسة ما تبقّى من الروايات الخاصّة بتراجم هذه الفهرسة في المصادر اللاحقة، مع تعريف بصاحبها، المؤرّخ الأندلسي (407 - 478 هـ/ 1016 - 1085 م)، ونشأته وحياته ومؤلّفاته، والتعريف كذلك بالكتاب وموضوعه ومنهجه وحدوده.

يستعرض الكتاب سيرة ومؤلّفات نحو مائة وتسعين عالماً أندلسياً

في التقديم، يقف المؤلّفان عند أهمية الفهارس التي ساهمت في معرفة الكتب المتداولة وإحصائها في مختلف الفنون والعلوم في الفكر الأندلسي خلال عصره الذهبي، والبيانات الببليوغرافية المتّصلة بها، وكذلك تبيان المناخات العلمية التي أنتجت تلك الكتب، وطبيعة الاتصال البحثي بين الطلاب ومدرّسيهم.

يستعرض الكتاب سيرة بن خزرج الذي تلقّى العلوم الدينية والنحو واللغة على يد والده وجدّه، كما اطّلع من علماء عصره على الفلسفة والتاريخ، وحرص أيضاً على الاستماع لدروس العلماء المشارقة الذين ذهبوا إلى الأندلس، كنوع من التعويض عن عدم سفره إلى المشرق. ورغم علوّ مكانته وصلة القرابة التي جمعته بحكّام إشبيلية، إلّا أنه لم يتقلّد أي منصب رسمي سوى تولّيه وظيفة فقيه في هيئة المشاورين، ولم يكن على وفاق سياسات الأمير المعتضد بن عباد بسبب قمعه وشدّة حكمه.

غلاف الكتاب

اشتمل كتابه "فهارس شيوخ الأندلس" على تراجم لحوالي مائة وثلاثة وتسعين رجلاً وامرأة تلقّى منهم علومه، عدا عمّن كاتبهم من أهل المشرق. ولم تقتصر ترجماته على علماء القرآن والحديث والتفسير بل امتدّت إلى علماء الأدب وعلم الكلام والطبّ والحساب وغيرها، واعتمد في ترجمتهم على ذِكر العلماء والشيوخ والتعريف بهم وتواريخ ميلادهم ووفاتهم، وتبويب كتابه وفق أسمائهم.

يفصّل ابن خزرج مذْهب كلّ عالم ومكانته الوظيفية وما تسلّم من مناصب، سواء في القضاء أو الإفتاء أو الشرطة أو الإمامة، وكذلك مكانته الاجتماعية والعلمية وتميُّزه في تخصّص معيّن، مع ذِكر شيوخه وتلاميذه، والرحلات العلمية التي قام بها، وقائمة مؤلّفاته.

كما يضيء الكتاب أحداثاً بارزة عاشها هؤلاء العلماء، إذ يروي ما جرى لسلمة بن أمية (الذي تخصَّص في الفقه والقراءات) حين أُسر لدى الروم أثناء رحلته إلى المشرق، حتى فُكّ أسره بعد سنوات، وكذلك مقتل الشاعر والمحدّث الإشبيلي عمر بن حسن الهوزني على يد المعتضد بن عبّاد بسبب دعوته الأخيرَ لجهاد الروم، ويترجم أيضاً لنساء عالمات مثل راضية، التي وضعت العديد من المؤلّفات، وأمة الرحمن بنت أحمد الزاهد التي كانت تحفظ أحكام الفقه ومرويات الزُّهد.

المساهمون