هل من علاقة بين المرض والإبداع؟ إنْ كُنّا سنستشهد بتجربة فْريدا كاهلو، فإنّنا حتماً سنُجيب عن هذا السؤال بنعم؛ فقد كانت الفنّانةُ المكسيكية (1907 - 1954) في الثامنة عشرة من عمرها حين تعرّضت لإصابة في حوضها وعمودها الفقري خلال حادث سَير ألزمها الفراش طيلة عام كامل، وحين نهضَت منه، كانت قد صارت فنّانة تشكيلية.
لم تكُن تلك التجربةُ الصحيّة الوحيدةَ في حياة كاهلو التي لم تدرس الفنَّ أكاديمياً؛ فقد عانت من المرض منذ طفولتها، ورافقها طيلةَ حياتها التي توقّفَت مبكراً، تاركةً قرابة مئتَي لوحة، رسمَت نفسها في خمس وخمسين منها، مثلما رسمَت المرض، نازعةً عنه كلّ قدسية، لتُظهره بكلّ واقعيته وقسوته وقُبحه.
هذه العلاقة هي من الجوانب التي يُضيئها معرضٌ يحتضنه "غاليري أحمد ورابح عسلة" في الجزائر العاصمة منذ السادس عشر من تمّوز/ يوليو الجاري (يتزامن هذا الشهر مع ذكرى ميلادها وذكرى رحيلها أيضاً) وحتى الثالث عشر من آب/ أغسطس المُقبل.
عانت منذ طفولتها من المرض الذي رافقها طيلة حياتها
يتضمّن المعرض، المُقام بتنظيم من "مؤسّسة أحمد ورابح عسلة" وسفارة المكسيك في الجزائر، قرابةَ عشرين ملصقاً لعددٍ من لوحات الفنّانة المكسيكية، ومن بينها بورتريهاتُها الذاتية التي تعكس، بشكلٍ أكثر وضوحاً، ما عاشته مِن آلام جسدية ونفسية.
تناولَت كاهلو في أعمالها مواضيع متعدّدة تبدأ من العام وتصل إلى الخاص. في جانبٍ من الملصقات المعروضة، نقترب من لوحات رسمت فيها تراث المكسيك وثقافته: الملابس الريفية التي ترمز إلى هوية السكّان الأصليّين، والأرض بأشجارها وزهورها وفواكهها وحيواناتها وطيورها، و"أهرامات الشمس" وآثار الحضارات القديمة، و"يوم الموتى"، والعلَم المكسيكي، واقتربت من قضايا المساواة بين الجنسَين، والأفكار الشيوعية، والتاريخ القديم للمكسيك، والحركات المدافعة عن القومية والهوية الأصلية للبلاد.
تُركّز أعمالٌ أُخرى في المعرض على حياة فريدا كاهلو العائلية، وعلاقتها بزوجها التشكيلي والمناضل الشيوعي دييغو ريفيرا، وسفرهما معاً إلى الولايات المتّحدة، والصداقة التي جمعتهُما بـ ليون تروتسكي في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي؛ حيثُ عاش السياسيُّ السوفييتي الهارب من نظام جوزيف ستالين فترةً في منزلهما قبل اغتياله عام 1940.
وتَظهر فريدا كاهلو في رسوماتٍ أُخرى بملامحها وتعابير وجهها الجادّة حيناً والحزينة حيناً آخر، ضمن جوّ يتراوح بين السوريالية والواقعية؛ وهي لوحاتٌ تروي تجاربها الكثيرة مع المرض: شلل الأطفال في طفولتها، ثمّ إصابتها في عمودها الفقري وهي شابّة، ثمّ بالغرغرينا التي أدّت إلى بتر جزءٍ من ساقها اليمنى، ثمّ الاكتئاب والالتهاب الرئوي في وقت لاحق.
من تلك اللوحات: "مستشفى هنري فورد" (1932) عن تجربة إجهاضها الثاني؛ حيث رسمت نفسها عاريةً وهي على سرير المستشفى، بينما يتّصل بجسدها، عبر خيوط رفيعة حمراء، بجنين وحلزون ووردة وحوض بشري، و"العمود المكسور" (1944) التي تَظهر فيها عاريةَ الصدر وجسمُها منشطرٌ إلى قسمَين أحدهما هيكل عظمي.