بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، شكّلت الساحة الثقافية في فرنسا، حالةً مركزية في المشهد الأوروبي والعالمي؛ إذ استعادت البلاد حيويتها بعد أن تحرّرت من الاحتلال النازي، وشهدت فترة من الرخاء الاقتصادي استمرّت لأكثر من ثلاثة عقود، كما تفاعَل المثقفون الفرنسيون مع السياسات العالمية التي كانت تتحرّك وتتنامى على وقع الحرب الباردة.
وبرزت أسماء فرنسية سرعان ما تصدّرت مدارس وتيارات فكرية، ستترك أثراً في تاريخ الفكر والفلسفة والأدب، من جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار، وألبير كامو، وصولاً إلى ميشيل فوكو وجاك دريدا، وآخرين. وما زالت الاشتغالات حول هؤلاء تصدر سنوياً، سواء للتمعّن بسيرتهم والوقوف عند أبرز محطّاتها، أو للبحث في أثر أفكارهم على وقتنا الراهن.
بالتزامن مع الدورة الرابعة والخمسين من "معرض القاهرة الدولي"، التي تنطلق في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، تصدر عن "الكتب خان" ترجمة الجزء الأوّل من كتاب "سيرة المثقفين الفرنسيين على محكّ التاريخ 1944 - 1968"، للمؤرّخ وأستاذ نظرية المعرفة فرانسوا دوس (1950)، بترجمة الأكاديمي المصري أنور مغيث.
ويتألّف الكتاب من جزأين؛ الجزء الأوّل يغطي الفترة الممتدة بين عاميْ 1944 و1968، أي بين نهاية الحرب العالمية ونشوب الثورة الطلابية، التي لم تقتصر على فرنسا وحسب، بل امتدّت إلى أوروبا بأسرها أيضاً. أمّا الجزء الثاني، فيشتغل على الفترة بين عامي 1968 و1989، وهو العام الذي يُصادف الذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية وسقوط جدار برلين.
وجاء في تعريف الناشر للعمل أنّه يقدّمُ "بعضاً من معالم هذه الملحمة التي تحتضن واحدة من أكثر الفترات الإبداعية صخباً للمثقفين الفرنسيين؛ من سارتر إلى ليفي ستروس ، ومن فوكو إلى لاكان. هذا العمل هو لوحة جدارية ضخمة مقدّر لها تحديد التاريخ لثقافة من أهم الثقافات التي تسيّدت المشهد الثقافي العالمي لعدّة عقود في القرن العشرين".
يُذكَر أنّ دوس قدّم اشتغالات متعددة في حقل البيوغرافيا، منها: "جيل دولوز وفيلكس غاتاري" (2007)، "بيير فيدال ناكيه.. حياة" (2020). أمّا المترجم أنور مغيث، فهو أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة في "جامعة حلوان"، صدر له العديد من الترجمات عن الفرنسية في الفكر والفلسفة، منها: "كتاب كيف نصنع المستقبل؟" لروجيه غارودي، و"في علم الكتابة" لجاك دريدا (بالمشاركة مع منى طلبة)، و"نقد الحداثة" لآلان تورين، وغيرها.