استمع إلى الملخص
- معرض "فان غوخ.. الشعراء والعشاق" في لندن يسلط الضوء على هذه الفترة التحولية في حياته، حيث سعى لإثبات نفسه بعيدًا عن الطليعة الباريسية.
- بعد خلافات مع غوغان وقطع جزء من أذنه، أُجبر فان غوخ على مغادرة آرل، وانتقل إلى ملجأ سان بول دي موسول، حيث انتحر بعد فترة قصيرة.
في شباط/ فبراير عام 1888، انتقل فينسنت فان غوخ من باريس إلى آرل في الجنوب الفرنسي، وعلى مدار الأشهر الخمسة عشر التالية أنتج أكثر من مئة وثمانين لوحة ورسماً، في المدينة التي تحتضن العديد من المعالم الآثرية الرومانية التي لم تستحوذ على انتباهه مطلقاً، إذ استهوته المقاهي والمناظر الطبيعية والأشخاص الذين تعرّف عليهم في المكان.
تعدّ هذه الأشهر الأخيرة من حياة الفنان الهولندي (1853- 1890) فترة تحوّل بارزة في تجربته، كما يضيئه معرض "فان غوخ.. الشعراء والعشاق" الذي يفتتح مساء السبت المقبل في "الغاليري الوطني" بلندن، ويتواصل حتى التاسع عشر من كانون الثاني/ يناير 2025.
لا يمكن مقاربة هذه الفترة بمعزلٍ عن حياة قصيرة عاشها فان غوخ متجوّلاً بين لاهاي ولندن وباريس وأمستردام، وغير مستقرّ أيضاً في مهنة حيث عمل في التدريس والوعظ والرسم وتجارة التحف الفنية، ورافقه خلال كلّ هذه المراحل الإحساس بأنه ضحية تختلط بمشاعر المرارة وكراهية الذات، لذلك كان يبحث عن خصوصيته في عالم الفن المعاصر.
عندما حطّ الفنان رحاله في آرل، بدت لديه فكرة واضحة عما يريد عمله لإثبات سمعته وتحقيق تفوقه على الطليعة الباريسية التي لم يستطع الاندماج معها آنذاك، رغم أن لوحاته أثارت اهتمام العديد منهم مثل كاميل بيسارو وجورج سورا وبول سينياك وتولوز لوتريك، بالإضافة إلى بول غوغان الذي كان صديقاً لغوخ، غير أن الأخير كان يبحث عن مكانته التي لم يجدها في باريس.
يعود المعرض إلى اللوحات الأخيرة التي رسمها في لحظة ملؤها التفاؤل حين وصل آرل، وتبعه غوغان الذي اتفق مع تاجر الأعمال الفنية ثيو، شقيق فان غوخ، على التوجّه جنوباً، وملازمة صديقه في استوديو منزلي تقاسمانه، والمعروف باسم البيت الأصفر، من أجل أن يراقبه ويقدّم تقريراً حول حالته إلى ثيو. لكن غوغان غادر الاستوديو بعد خلافات ومشاحنات دائمة، وتسبّبت مغادرته في انهيار فان غوخ حتى قطَع جزءاً من أذنه اليسرى.
وبعد خروجه من المستشفى، عاد إلى البيت الأصفر ليواصل عمله حيث وجد علاقات بصرية بين أعماله التي كان يستعدّ لعرضها في معرض قريب لم ير النور، ومنها لوحتان لدوّار الشمس، ولوحة "السيدة أوغسطين رولين تهزّ المهد"، و"ليلة النجوم فوق نهر الرون"، و"البيت الأصفر"، و"كرسي فان غوخ"، و"حقل القمح وأشجار السرو"، وغيرها من اللوحات التي تبرز إلهامه من كتابات الشعراء ضمن مناخات من الخيال والرومانسية والجموح هيمنت عليه آنذاك.
أمضى فان غوخ شهرين إضافيين في الاستوديو بعد قطع أذنه، لكن سكّان أرل أجبروه على مغادرة المدينة إثر توقيعهم عريضة تطالب بإخراج "المجنون ذي الشعر الأحمر"، ما اضطرّه للانتقال إلى "ملجأ سان بول دي موسول" في سان ريمي القريبة، حيث بقي هناك لفترة قصيرة وما إن خرج منه حتى انتحر بعد نحو شهرين.