ضمن سلسلة "مُصوِّرو فلسطين" التي أنتجتها "الجزيرة الوثائقية" للإضاءة على إرث البلاد الفنّي، صدر بتوقيع المخرجة الفلسطينية مروة جبارة طيبي فيلمٌ بعنوان "مُصوِّر غزّة الأول: كيغام جغليان" (2020). يدور العمل، الذي تعرضه "مؤسسة القطّان" في رام الله، عند السادسة من مساء الخامس عشر من شباط/ فبراير الجاري، حول كيغام جغليان، المُصوّر الأرمني الذي انتقل من القدس إلى غزّة عام 1945، ليفتتح فيها أوّل استوديو تصوير باسم "كيغام استوديو".
يعرض الشريط (25 دقيقة) للتاريخ الغزّي من خلال أرشيف الفنّان المتنوّع، الذي يوثّق فيه نهضتها وجمال شواطئها، كما يستكشف المدينة بعدسته الحُرّة، ولأوّل مرة بعيداً عمَّا رسمته كاميرا الاحتلال الإنكليزي من صورة نمطيّة عن الشعب الفلسطيني.
نقل بعدسته حداثة المدينة المبكّرة ومشاهد من نكبة عام 1948
وتمثّل عدسة كيغام ذاكرة غزّة، راصدةً حركة الحياة اليومية بتفاصيلها في المدينة، وعارضةً وجهة النظر الفلسطينية لرؤية الأحداث. ويتتبع الفيلم رحلة المصوّر الفريدة، وكيف نجح في تحويل التقاط الصُّور الشخصية إلى مُمارسة شعبية، لا تحتكرها طبقة بعينها بل مُتاحة لجميع المواطنين، كأنّه ابن غزّة، بعد أن قدِم إلى فلسطين مُهاجراً لاجئاً.
يقول المُصوّر الغزّي الشابّ يوسف ناتيل: "فوجئتُ بأنّ مدينتي غزّة كانت على هذه الشاكلة، ولولا أن كيغام صوَّرها، فلن نعرف تاريخها ولا شكلها الحقيقي، لقد كان فيها مطار وسكّة حديد وكلّ مقوّمات المدينة المتّصلة بالعالم، على عكس المدينة المحاصرة اليوم". من ضيوف الشريط أيضاً، كيغام الحفيد الذي يحمل اسم جدّه، والذي تحدّث عن الإرث الغزّي الممتدّ في أجيال العائلة الجديدة رغم أنه تربّى وعاش في مصر. أمّا المُصوّر ناصر عليوة فيصف كيغام بأنه "الأب الروحي" للتصوير في غزّة، فمن خلاله تمّ التعرُّف إلى الأبعاد الجمالية لهذه المهنة وليس فقط الوظيفية.
كذلك يحضر في الفيلم جامع أرشيف كيغام، المُصوّر مروان ترزي، الذي استشهد في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزّة. يتناول ترزي في حديثه العمائر والمباني المُهدّمة التي لم تعد موجودة إلّا في صور كيغام بالأبيض والأسود، وكيف وثّقت عدسة المصوّر الأرمني مشاهد من نكبة عام 1948. حديث ترزي هذا كان قبل العدوان البربري طبعاً، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: ماذا تبقّى من أثر كيغام بعد أن قتل الاحتلال حارس تلك الصور ودمّر منزله، وقصف الاستديوهات التي تحتفظ بهذا الأرشيف النادر؟
يُذكَر أنّ مروة جبارة طيبي، مخرجة وصحافية فلسطينية، حاصلة على ماجستير في السينما الوثائقية، وهي صاحبة خبرة كبيرة في مجال الإنتاج، عملت مع محطّات تلفزيونية عديدة، كما عُرفت بتوثيقها الأدوار الريادية للنساء، وتتميّز بأفلامها الاستقصائية، ومن بينها: "جرب في ساحة المعركة" (2017) الذي يتناول استثمارات "إسرائيل" في تجارة الأسلحة، واستغلالها مجازر رواندا والبوسنة لزيادة البيع والأرباح، و"فستان العروس" (2019)، و"عباس 36" (2019).