عواصم الثقافة ولائحة التراث.. شجون موقع "الإيسيسكو"

09 أكتوبر 2023
تمثال للشاعر مولا باناه فاجيف (1717- 1797) في مدينة شوشا؛ عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2024
+ الخط -

تُمثّل العواصم الثقافية ولائحة التراث الوجه الإعلامي الأبرز حضوراً في مؤتمرات "منظّمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة" (الإيسيسكو). والمنظّمة، بعناوينها الضخمة، تُشرف على مشاريع واسعة، وتُقيم شراكات في حقول التربية والعلوم والثقافة في مجالات حماية التراث وحفظه وتثمينه، وتعميم آليات الاقتصاد الثقافي واستراتيجياته وإرساء مفهوم الاقتصاد البنفسجي والسوق الثقافية المستدامة، وتوحيد المؤشّرات الثقافية في العالم الإسلامي والذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، فإنّ موقعها الإلكتروني، وهو بمستوى تقني عالٍ، يُقدّم خدمة تعريفية متواضعة، بل أحياناً غير موجودة فيما يتعلّق بالعواصم الثقافية منذ 2005، والأهمّ من ذلك المواد المتعلّقة بلائحة التراث، على عكس ما نعثر عليه في موقع "اليونسكو" في لائحتها المقدَّمة للقارئ بمهنية عالية.

فإذا كان مؤتمرها في الدوحة، الأسبوع الماضي، قد أعلن نيابة عن لجنة التراث أن الإدراجات على قائمة تراث العالم الإسلامي حتى تمّوز/ يوليو 2022 بلغت 436 ملفّاً تراثياً، منها 338 موقعاً ضمن التراث المادي والطبيعي، و98 تحت التراث غير المادي، وأنّ عام 2025 سيمثّل طموحها لإدراج ألف موقع وعنصر تراثي، فإن الموقع محتاج إلى مواد وازنة تُحدّد وتقول ما الذي أدرجناه، وماهية إدراجه ومسوّغاته، وقيمته التاريخية أو التراثية.

تطمح إلى إدراج ألف موقع وعنصر تراثي في اللائحة بحلول 2025

وقد قُيّض لنا، خلال المؤتمر الأخير للمنظمة التي تضمّ في عضويتها 54 بلداً، أن نتعرّف إلى أسماء عواصم الثقافة الإسلامية الستّ بدءاً من العام المقبل حتى 2030، وهي على التوالي شوشا في أذربيجان، وسمرقند في أوزبكستان، والخليل في فلسطين، وأبيدجان في كوت ديفوار، وسيوة في مصر، ولوسيل في قطر.

قوبل ترشيح مدينة شوشا بالموافقة على أن تكون عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2024. المدينة التي تهتم أذربيجان بإبرازها أكثر لرمزيتها الثقافية واشتمالها على معالم تاريخية واعتبارها منبع الموسيقى القوقازية.

وما إن مضت سنة 2020، التي شهدت ما يُعرف بمعركة تحرير شوشا التي كانت تحت سيطرة جمهورية أرتساخ المدعومة من أرمينيا، حتى أُعلنت المدينةُ العاصمةَ الثقافية لأذربيجان عام 2021.

تأسّست شوشا، المدينة الجبلية، على مرتفعات قره باغ عام 1752، وفيها قلعة شوشا التي شُيّدت عام 1753، ومسجد الجوفاراغا الذي شُيّد عام 1769، وكنيسة شوشا التي بنتها القيصرية الروسية عام 1805، ومتحف وضريح الشاعر مولا باناه فاجيف (1717- 1797)، ومتحف الموسيقي الأذري عزير حاجبيوف (1885 - 1948).

في العام التالي، 2025، تظلّ احتفالية العواصم الثقافية في آسيا الوسطى، إلى سمرقند المدينة الأوزبكية التي تنافست الألقاب عليها؛ من "لؤلؤة الشرق" و "بوّابة الشرق" و"مدينة القباب الزرقاء"، و"جنّة الأرض"، وهذه الألقاب تخصّ واحدة من المدن التاريخية الإسلامية التي ما زالت حتى الآن متحفاً مفتوحاً.

أصبحت سمرقند في عام 2001 على قائمة التراث العالمي ووصفتها "اليونسكو" بأنّها "ملتقى ومكان يجمع ثقافات العالم بأسره".

لها من العمر ما يزيد على 2500 عام، غير أن المدينة التي هام بها الشعراء والمعماريون والمستشرقون كانت مدينة عصر ذهبي إسلامي، وخصوصاً العهد التيموري من سلالة تيمورلنك، فصارت سمرقند عاصمة كبرى هضمت تاريخاً طويلاً من الهدم والتعمير منذ دخلها الإسكندر الأكبر بجيشه حتى الفتوحات الإسلامية إلى تدميرها على يد المغول.

المتحف المفتوح يعلن عن نفسه من ميدان ريجستان وما حوله من عمارة الفسيفساء الملوَّنة التي يغلب عليها اللازوردي وزخارف المربع المزدوج وفنون الخط العربي، إلى جامع بيبي خانم الذي بُني عام 1400 وما زال يباهي بلقب "جوهرة سمرقند"، إلى المقابر المتعرّجة، والمدارس الدينية، وضريح تيمورلنك، وضريح الإمام البخاري، علماً أنّ الأضرحة دائماً هي جزء من مبنى ضخم له وظائف مختلفة.

ستّ عواصم مُقبلة: شوشا وسمرقند والخليل وأبيدجان وسيوة ولوسيل

عام 2026 تتقاسمه مدينتان؛ الأُولى الخليل في فلسطين والثانية أبيدجان العاصمة الاقتصادية في ساحل العاج (كوت ديفوار).

أَدرجت منظّمة "الإيسيسكو" البلدة القديمة في مدينة الخليل على لائحة التراث الإسلامي عام 2020، وسبقها في عام 2017 إدراج "اليونسكو" لذات البلدة على لائحة التراث العالمي باسم فلسطين، الأمر الذي أثار غضب الاحتلال الإسرائيلي ووصف القرار بأنه "وصمة عار".

ما زالت الخليل نموذجاً حاضراً للعمارة المملوكية بحاراتها وأسواقها الحرفية المشهورة مثل صناعة الفخار والخزف والزجاج والجلود، وبقي الطراز المعماري منذ عصر المماليك (1250 - 1516) ملاحَظاً في البلدة القديمة، من الجدران المرفوعة بالحجر، والسقوف المعقودة والقباب البيضاء والتصميمات المعمارية التي تراعي الخصوصيات الاجتماعية.

أمّا أبيدجان فهي واحدة من كبريات مدن الغرب الأفريقي، وكانت العاصمة السابقة لساحل العاج قبل استبدالها بالعاصمة الجديدة ياموسوكرو منذ عام 1983. ويُنظر إليها بوصفها مركزاً ثقافياً في البلاد التي يُشكّل المسلمون حوالي نصف عدد سكانها.

منذ القرن الهجري الأول، السابع الميلادي، دخل الإسلام غرب القارة الأفريقية وغلب العنصر التجاري على قبول القبائل دخول الدين الجديد، وحافظت تلك الجغرافيا على طرقها الصوفية الأوسع انتشاراً بين الفرق الإسلامية وأكبرها القادرية والتجانية.

وسجّلت "الإيسيسكو" على لائحة التراث في العالم الإسلامي العديد من المواقع الإيفوارية، مثل المساجد المسلسلة ذات الطابع السوداني في الشمال الإيفواري، وبوندوكو "مدينة الألف مسجد".

في عام 2027 ستكون عاصمة الثقافة الإسلامية واحة سيوة المصرية في الصحراء الغربية، والتي تبعد 700 كيلومتر غرب القاهرة باتجاه الحدود الليبية.

وقد ضمّت "الإيسيسكو" عام 2021 قلعة قرية شالي في واحة سيوة إلى قائمتها لتراث العالم الإسلامي، والقلعة بُنيت في القرن الثاني عشر ميلادي بما يُعرف بالملاط السيوي المكوَّن من الطفلة، وهو أحد أنواع الطين، والملح الصخري لحماية سكّان القرية من الهجمات القبلية.

وتحتفظ سيوة بطبقات تاريخية متعدّدة وقديمة من الفراعنة إلى الرومان، وبقيت تلعب دوراً مهمّاً بوصفها مركز قوافل، وترك هذا الدور آثاراً ماثلة إلى اليوم، ومنها مسجد الشيخة حسينة؛ وهي سيّدة مغربية عبرت سيوة في طريقها إلى الحج وتبرّعت ببناء المسجد.

دوَّن العديد من الرحالة والباحثين الأجانب مؤلّفات ورسموا وصوّروا الواحة المعزولة على بعد 300 كيلومتر من البحر الأبيض المتوسّط، وكانت عند الكاتب المصري بهاء طاهر (1935 - 2022) الساحة الروائية التي جرت فيها روايته "واحة الغروب"؛ الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2008.

أحدث هذه العواصم نشأةً هي لوسيل شمال العاصمة القطرية الدوحة، والتي ستكون عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2030، وترتبط تاريخياً بقلعة مؤسّس دولة قطر الحديثة الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني (1827 - 1913)، المعروفة بقلعة لوسيل وقد كانت مقرّ حكمه.

تبعد لوسيل تسعة كيلومترات عن قلب الدوحة، عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2021، وبدأ تشييدها عام 2008، وكان أوّل تقديم لها على مستوى عالمي في كأس العالم 2022 الذي شهد المباراة الختامية، بينما كانت لوسيل تشهد الكثير من فعاليات الشارع.

وتنتظر المدينة افتتاح "متحف لوسيل"، وهو قيد التشييد على جزيرة المها قُبالة المدينة بتصميم معماري من مكتب هيرتزوغ ودي ميرون، وسيضمّ أكبر مجموعة فنّية استشراقية في العالم، إضافة إلى قطع أثرية ووسائط مستخدَمة من العصور القديمة إلى القرن الحادي والعشرين.

المساهمون