استمع إلى الملخص
- الرمزية والتجريد: تتميز منحوتات حبيش بالرمزية والتجريد، مع تشويهات في الجسد البشري والحيواني تعبر عن الصراع من أجل الحرية والتعب والإرهاق.
- الإنسان والآلة: يعبر حبيش عن التناقض بين الإنسان والآلة، مشيراً إلى الفزع من هيمنة التكنولوجيا، لكنه يؤكد قدرة الإنسان على الانتصار عليها.
تشكّل خامة الخشب معظم الأعمال التي يحتويها المعرض الاستعادي للفنان المصري علي حبيش (1948)، الذي افتتح في الرابع عشر من الشهر الجاري في "غاليري ضي" بالقاهرة، تحت عنوان "عاشق النحت"، ويتواصل حتى العاشر من الشهر المقبل.
يستخدم الفنّان، الذي حاز الدكتوراه عن أطروحته "عن الساحات الشعبية في فن النحت المصري المعاصر"، أنواعاً متعدّدة من الخشب؛ مثل الصفصاف والسنط والنيم الهندي والكافور والجزورين، في طرح مفاهيمه حول أزمة الإنسان المعاصر، وصراعه مع الطبيعة والتقنية، وكذلك في مقاربة الهوية الجماعية للإنسان المصري ضمن تأثره بالمدّ القومي الناصري خلال أيام دراسته.
في واحدة من المنحوتات المعروضة، إنسان بتشكيل جسدي ينزاح عن الواقع، حيث يبدو عموده الفقري طويلاً جدّاً وبأرجل قصيرة نسبياً، يجلس على مقعد بينما رأسه يدخل في فتحة بأعلى رأس شخص يقابله، وهو مثبت على قاعدة بلا جسد.
بدلالات رمزية، ينحت حبيش معظم أعماله، التي ينحو بعضها نحو تشويه أو تحريف في الجسد البشري، وأجساد بقية الكائنات التي يصوّرها أيضاً، فيقدّم جسد إنسان استبدل ذراعيه بجناحين وهو يتأهّب للطيران بهما، لكن عينيه تتّسعان من الحذر أو الخوف لتأخذا مساحة تفوق نصف وجهه.
على هذ النحو، يعيد الفنّان تشكيل كائناته ببعد تجريدي أكبر في إبراز صراعها الموجع والمدمي من أجل الحصول على حرّيتها، وهي تميل إلى التعب والإرهاق وتغلب عليها حركة درامية في تفاعلها مع المحيط، فيقدّم في عملٍ وجه ديك مختزلاً شكله الذي يتمّدد على نحو رفيع جدّاً بفتحتين أسطوانيتين تخترقان جسده عند الرقبة وفي أسفل رجليه، فوق زنبرك يشير غالباً إلى الآلة.
يُبرز المعرض صراع الإنسان المدمي من أجل الحصول على حريته
التناقض مع الآلة هو ما يركّز عليه الناقد والتشكيلي المصري صالح رضا، في حديثه عن تجربة حبيش في مقال سابق، حيث يقول: "تارة نرى الفنان تنصبّ أعماله حول الطبيعة برومانسيتها بالرغم من عويل الألم فيها، فهي تناديك للالتحام بك أينما ذهبت هذه الأشكال بقوّة تعبيراتها، سواء صنعها من الحجر أو الخشب أو النحاس، فهو سريع النداء للإنسان الذى يقدّسه ويعبّر عنه فى ملحمة الإنسان والآلة الحديثة، وفى هذا العمل الذى يقوم بعرضه الفنّان يوضح لنا أنّ الإنسان سوف ينتصر أخيراً على الآلة لأنّه هو صانعها وهو قائدها، وإذا فقد الإنسان قيادة هذه الآلة فهي سوف تقضي عليه، فهذه الآلة من خلال رغبة الفنّان، فإن أراد أن يحوّلها أو غيّرها فهو قادر على هذا والتماسك بين صراع الآلة والإنسان".
الفزع والخوف من هيمنة الآلة مفهوم أساسي خصّص له حبيش معرضاً سابقاً، ويمكن ملاحظته في بعض أعمال المعرض الحالي، في تكثيف لفقد الإنسان عواطفه وأحاسيسه كما تحلّ التكنولوجيا محلّ العقل وتفكّر نيابة عنه، وتصنع له نمط حياته، وتفرض عليه تصوّراته للمستقبل، كما يقارب مسألة أُخرى تتّصل بالحميمية التي تحكم علاقة الآلة بالإنسان ورغباته، بحيث يركّز على فكرة تلاحمهما أو اتحادهما.
يُذكر أن علي حبيش يزاوج بين ممارسة الرسم وتدريس النحت الميداني في "جامعة القاهرة" على مدار عقود عدّة، وشارك في معارض وملتقيات فنّية أُقيمت في روسيا وإسبانيا وبنغلاديش والأردن بالإضافة إلى مصر.