يُعَدّ محمد بن القاسم القندوسي واحداً من نوادر الأسماء التي جمعت، في تاريخ الثقافة العربية، بين إتقانها وإبداعها في الخطّ والحروفيات، وبين التأليف والمعرفة الصوفية. وعلى الرغم من أنّه عاش في زمنٍ قريبٍ من وقتنا هذا (رحل عام 1861)، إلّا أنّ اسمه بات شبه منسيّ في يومنا هذا، في حين لا يفتأ الحقل الثقافي العربي عن تذكُّر خطّاطين ومتصوّفة عاشوا قبل قرون من زماننا هذا، ويكفي هنا إعطاء الواسطي وابن عربي مثالَيْن على ذلك.
والملحوظ أن القندوسي كان شبه مجهول حتى في خلال حياته (وُلد في القنادسة بولاية بشار الجزائرية، وقضى القسم الأكبر من حياته في فاس المغربية)، إذا ما استندنا إلى كتاب "الشرب المحتضَر والسرّ المنتظّر من معين أهل القرن الثالث عشر" (الهجري)، لجعفر بن إدريس الكتاني، والذي يقول في الفصل الذي خصّصه للقندوسي إنه "كان ــ رحمه الله ــ خاملَ الذِّكر في حياته، لا يعرفه بولايةٍ إلّا بعض الخواص من أصحابه ممّن خالطه وعرفه وكشف له عن أسراره".
"عالَم القندوسي: الخطّاط وبيئتُه" هو عنوان الجلسة البحثية التي نظّمها "معهد الدراسات حول العالم العربي والإسلامي" في مدينة إكس أون بروفنس، جنوب فرنسا، بين صباح أمس الخميس وصباح اليوم، بمشاركة باحثين عدّة من المغرب العربي وأوروبا.
وشملَت الأبحاث المشاركة ــ التي قُرئت حضورياً أو عبر تقنيات الفيديو ــ الحقلَيْن اللذين انتمت اشتغالات القندوسي إليهما، حيث تناول عبد الله حمّادي تاريخ الزاوية الزيانية في مدينة القنادسة، لتبيان الظروف الاجتماعية والدينية والثقافية التي ترعرع فيها القندوسي في سنواته الأولى، في حين تمحورت ورقة خالد الزهري حول الأسلوب الكِتابيّ عند العلّامة الراحل، الذي قارنه بأسلوب متصوّف مغربي آخر هو محمد المُعطى الشرقاوي.
وفي مداخلتها، درست هبة عبيد فنّ الحِلْية في تمظهره مغربياً، وهو فنٌّ له تاريخه في مسار الخطّ العربي والعثماني، ويُعنى بشكل عام بوصف ومديح نبيّ الإسلام ضمن تنويعات خطّية وهندسية درست الباحثة تلك التي رُسمت منها على جدران الجوامع والزوايا الصوفية وسقوفها. وغير بعيدٍ عنها تناول بلال بادات دور الشخصية النبوية في إلهام الخطّاطين خلال الفترة العثمانية.
يُذكَر أن معرضاً بعنوان الجلسة نفسها افتُتح صباح اليوم في إكس أون بروفنس، وفيه مجموعة من الأعمال التي تركها القندوسي في التخطيط والحروفيات وفن الحِلية.