- تمت مناقشة مساهمات تقي الدين في الأدب والثقافة، بما في ذلك مواجهته للصهيونية وتأثير والدته على أعماله، مع التأكيد على دوره كصانع للأمل ومؤثر ثقافي.
- المتحدثون يبرزون خصائص كتابات تقي الدين القصصية كالتكثيف والسخرية، ويشيدون بجهود جان داية في الكشف عن نصوص تقي الدين المجهولة، مما يعزز الاهتمام بدراستهما أدبيًا ونقديًا.
لطالما ارتبط اسمُ القاصّ والكاتب المسرحي والصحافي اللبناني سعيد تقي الدين (1904 - 1960) باسم الباحث جان داية، حيث عُرِف الأخير بأنّه قد كرّس مُجمل اشتغالاته النقدية، لأكثر من خمسة عقود، لإنتاجات صاحب "حفنة ريح" (1948). ضمن هذا الإطار، وبالتزامن مع مرور 120 عاماً على ذكرى ولادة الأديب البعقليني (نسبة إلى بلدة بعقلين حيث وُلد) التي تُصادف 15 أيار/ مايو، عُقدت مساء الأربعاء الماضي، في "ملتقى السفير" ببيروت، ندوةٌ بعنوان "جان داية وتراث سعيد تقي الدين"، في محاولة من المُنظِّمَين ("دار أبعاد" و"دار نلسن") للإضاءة على هذه العلاقة الأدبية بين الاسمين وأبرز محطّاتها.
قدّم للندوة الكاتب والناشر سليمان بختي الذي أشار إلى أنّ "ثلاثة عشر كتاباً كان قد أنجزها تقي الدين في حياته، في حين تكفّل داية بإصدار البقيّة بعد رحيل صاحبها، وبلغت أربعة عشر كتاباً توزّعت بين القصّة القصيرة والمقالة والمسرحيات والخطابات والرسائل. وبهذا فإنّ تقي الدين، وبِهمّة جان داية، ما يزال يُراكم إنتاجاته رغم مرور أكثر من ستّة عقود على رحيله".
عمل على تشكيل جمعيّة لمواجهة الصهيونية في لبنان
واستذكر بختي، في حديثه صرخة، تقي الدين "كلّ مواطن خفير"، التي صارت لاحقاً اسماً لجمعيّة أسّسها في سياق مواجهته النشاط الصهيوني على أرض لبنان، حيث تزامنت عودته من الفلبين عام 1948 مع نكبة فلسطين، كما لفت المتحدّث إلى حضور والدة تقي الدين في أدبه، وتَرْكِها أثراً قويّاً في ما أنتج، معتبراً "أنّ تقي الدين كان أحد صنّاع الأمل في حياتنا".
بدوره، تحدّث الكاتب رمزي علم الدين عن تجربته الخاصّة مع خاله، والتي امتدّت لعشر سنوات، وقد ضمّن بعضها في كتاب له صدر عام 2022 بعنوان "احكي جالس". واستحضر علم الدين، في مداخلته، خصائص الكتابة القصصية التي ميّزت صاحب "أقدام عارية" (1953)، حيث قال إنّها تقوم على التكثيف والإيجاز والسخرية، ومثَّل لهذا بقصّة قصيرة من إرث الراحل عن مُحرِّر كان يعمل في جريدة، وكان يُطيل في أخباره، ويتلقَّى التنبيه إثر الآخر من رئاسة التحرير إلى ضرورة الاختصار وعدم الإطالة، فما كان منه إلّا أن ردّ عليهم بخبر كتب فيه: "نزل أمين نادر من سيارته ليتفحّص مستوى الوقود فيها، أشعل عود ثقاب ليرى الخزّان، فوجده مملوءاً. الدفن غداً".
بجهود جان داية البحثية صدر لتقي الدين 14 كتاباً بعد رحيله
أمّا الباحث حسن حمادة فلفت، في مداخلته، إلى أنّ "جان وسعيد شكَّلا ثنائية يُمكن لها أن تكون مادّةً لرواية أدبيّة شيّقة في حدّ ذاتها، بل إنّ أيّ دراسة جادّة تتناول أدب الثاني لا يُمكن أن تصل إلى خلاصات نقدية حقيقية من دون الإشارة إلى مجهود الأوّل أو الاعتماد عليها". وفي هذا السياق ذكر أبرزَ مؤلّفات داية: "أدب سعيد تقي الدين" (1979)، و"عقيدة سعيد تقي الدين" (1994)، و"سعيد تقي الدين في الحزب القومي السوري" في أربعة أجزاء (1995)، إلى جانب عشرات النصوص التي ظلّت مجهولة قبل أن يكشف جان داية النقاب عنها.
وختم الباحث إياد موصللي، الندوة بمُداخلة حملت عنوان "فنجان قهوة صباحاً مع سعيد تقي الدين"، مُستعيداً فيها ملامح من تجربة الاعتقال السياسي التي مرّ بها مطلع الخمسينيات، حيث كان من الصعب إدخال الكتب والصحف إلى "سجن الرمل" في بيروت، لكن عندما أُتيح ذلك لمجموعة من السجناء، وجدوا فيها كتابات لسعيد تقي الدين من بينها مقال بعنوان "آمنتُ بالذي قال لجلّاديه شكراً" ويُنهي موصللي حديثه بالقول: "كانت لحظة إنسانية عارمة ترجمَت ما كنّا فيه، ونقلتنا من عالم الألم إلى الإبداع".