شِعرٌ من أجل فلسطين

21 أكتوبر 2024
روبرتو باسكوالي
+ الخط -

بشقِّ الأنفُسِ تَخرج
من تحت الأنقاض الكلمات
كلماتٌ مخنوقةٌ مبتورةٌ دامية
كلماتٌ وسنى تحلم
بِليلة دون قذائف
كلماتٌ مشوّهةٌ فَقدتْ
صوابها وفقدت الأمل
كلماتٌ بكماءُ بلا أنفاس،
فكيف نُلْهمُ الموتَ الكلام؟
كَلماتٌ منتَهكةٌ منهوبةٌ معذَّبة
كَلماتُ الألم والغضب
كلماتُ السياسة النهمةِ للكذب والسُّلطة
كلماتُ أمومةٍ لا تكفّ عن البكاء
كلماتُ فتياتٍ يبحثن دون جدوى
عن غوثٍ، عن موقف إنساني
كلماتٌ عطشى للعدل وجوعى
كلماتٌ عمياء وصمّاء إزاء معاناة القتلى
كلماتٌ لا مُبالية، كلماتٌ سهواً قاسِيةٌ
كلماتٌ تدْنو حبواً
تبحث عن نجاة وسلام وإصغاء
كلماتٌ مبقورةٌ وممزَّقةٌ
بلا صوتٍ ولا ذاكرة.
حتّى في الكلمات الجريحة
يمكننا العُثور على جزء من معنى
على كسرة مستقبَلٍ وجذوة حياة
على حليب مُرّ لأطفال غزّة
المقتَّلين كلّ يوم بالمئات، بالآلاف
المشوَّهين والمقطَّعين في حياة مستقبليةٍ
بتراء تفتقر إلى الجَمال.
ليس بوسع أيِّ عطف تعويض
هذا الألمَ الظالم والشاسع.

***

هذا زمنٌ يحارب الجَمال
سيوفٌ تقطر خيوط دماء
والسلام مُلاحَقٌ، يختبئ في ملاجئ تحت الأرض
بينما القنابل تُواصل الهطول.
شُيّد الباطل كحقيقة مطلَقة
والخوفُ صار عدوىً سريعة الانتشار.
 كلٌّ منّا أصبح ذرّة رقمية،
لحُسن الحظّ أنّ ثمّة وعداً بذكاء اصطناعي
سيُنقذنا ويتركنا بُكماً نبحث بلا هوادة
عن معنى قديم منسي،
عن لعبةٍ خاسرة
عن صوتِ النجوم في الصيف
ونحن أطفال نفترش العشب
يداً بيد، تُضيء فوقنا الخنافس المضيئة
تلك النجوم الصغيرة والقريبة
حدّ أنّنا نكاد نمسكها. 

هذا زمنٌ يُحارب الجَمال
يُحارب الكلمة التي تنبش في الحقيقة
حتّى العظمِ وحتّى هيكل المعنى.
هذا زمنٌ يُفضّل ثياب الماركة
ومظاهر الأناقة الفارغة
وسياسةَ القول والفعل المقلوبة:
السلام تهديدٌ والحربُ نجاة
الوطنُ يُطلق النداء وينشد 
الإخلاص والطاعة العمياء.
يُرفرف العلَم في سماء البلاغة
احتفاءً بالحداد الوطني
وتسير السُّلطات في جنازة الدولة. 

***

البشاعةُ ههنا في كلّ لحظة
لا تتيح لنا الخلود إلى النوم
تطْرقُ بلا هوادة على أبوابِ
هذه الإنسانية المحتضرة
التي ما فتئت تستهلك الكلمات
والبضائع، دون جدوى.
قلنا إنّ الماضي يساعدنا على فهم الحاضر
إنّ الشرّ المطلَق لن يتكرّر
تساءلنا: كيف أنّ جلّ الإنسانية،
الرمادية واللامبالية،
لم تعترض، وسمحتْ بوقوع المحظور.
وها نحن اليوم نكتشف الجواب
ها نحن عراة إزاء مشهد الموْت المروّع
إزاء الرقصة الجنائزية للقتلة.
وما زال ثمّة أصواتٌ تُمجّد الحرب
والعنفَ ضدّ العزّل، واسْتمرار الإبادة اليومية.
يقولون إنّه دفاعٌ عن النفس
إذن فليقتلوا المستقبَل، وأحلامَ آلاف الأطفال
وليُنفّسوا عن ألمهم وغيظهم.
أمّا نحن ههنا فما زلنا نُناقش الكلمات المحظورة:
إبادةٌ جماعية، إفناء، مجزرة، مقتلة
يبدو أنّ حقوق النشر الخاصّة بالإبادة الجماعية
قدْ ابتاعها أحدٌ ما مسبقاً!

***

لقد جاوزوا كلّ الحدود
الأمّهات يوارين أطفالهنّ
اليتامى يتوهون في الألم
بحثاً عن صوت أُمٍّ أو صداه،
يحْترق الأطفال أحياءً وتحترق العواطف،
ولكن، يكفيك فقط تغيير القناة،
وتخدير المشاعرِ بإعلانٍ ما عن أيّ ماركة
ليُصبح تحمُّل الإبادة ممكناً. 
في عصر اللّامبالاة هذا
ثمّة من اصطفاهم ربٌّ غائب
يحتفلون بالمقتلة، فتبدو المسافة 
شاسعةً بينهم وبين الإنسانية.
وحوشٌ على الجثث ترقص
وتحثّ القتَلة على قتلٍ دون شعور بالندم.
لقد فَقد أهلُ غزّة شعور الإخاء
بعد أن جاوز الآخرون كلّ الحدود
واتّسعت بقعة الدم.
كلُّ جرمٍ ممكنٌ دون شعور بالذنب 
ما دام ثمّة إلهٌ
يُصدر الأوامر ويمنح العفو:
لا عودة في القرار، الحلُّ نهائي
لا وجود لأبرياء، والقتلُ غايته الخير.
الدعاية الدولية تُردّد بصوتٍ واحد:
لا يُحارَب الإرهاب إلّا بالإرهاب
ولا يُصنع السلامُ إلّا بالحرب
وأنّ الشمس لا محالة قادمة
وأنّ الحرّية والمساواة والإخاء
هي كلماتٌ لا غير
في لغة أجنبية.


* ترجمة كاصد محمد



بطاقة

Roberto Pasquali شاعرٌ وروائي ومترجم إيطالي، وُلد في مدينة بولونيا الإيطالية. ترجم العديد من شعراء أميركا اللاتينية. عمل في تدريس الكتابة الإبداعية (ورش الشعر) في مدارس ببولونيا وفيرونا وفلورنسا، وأسهم في تنظيم عدّة مهرجانات في المدينة. صدرت له مجموعة شعرية بعنوان "ربيع اليد" (2002)، كما نشر نصوصاً في مجلّات أدبية إيطالية وأجنبية. أنشأ أرشيف "La voce Regina"، وهو أرشيف إلكتروني واسع، متوفّر في العديد من المكتبات الجامعية في مدينتَي بولونيا وفيرارا، يحتوي على أصوات شعرية من إيطاليا وخارجها.

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون