سيزان أكسو: أغنية لا تمرّ من النوافذ الضيّقة

28 يناير 2022
سيزين أكسو خلال مقابلة مع "راديو آجك"، 2017 (راديو آجك)
+ الخط -

تطفو من حين إلى آخر أحداث في الساحة الفنية يُخفي ضجيجها كلّ الواقع. يتحوّل مشهد في فيلم أو عبارة لكاتب في رواية أو تصريح إلى ثقب أسود يبتلع كلّ ما حوله. أحياناً يبدو الأمر مثل تقليبٍ لدفاتر قديمة أو قفز على ما يمكنه أن يمدّ حبل التشنّج والإثارة، كما هو الحال مع السجال الذي عاشته تركيا في الأيام الماضية، والذي انهمك فيه فنانون وسياسيّون ومستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي. فرغم مرور أربع سنوات على إطلاق أغنية "الحياة شيء رائع" للفنانة التركية سيزان أكسو (1954)، ها هي تتحوّل إلى "قضية الساعة" بعد أن أعادت نشرها في احتفالات رأس السنة الأخيرة.

الأغنية التي كتبتها أكسو وقامت بتلحينها مع الملحّن الراحل يشار غاغا، بقيت في الظلّ لسنوات، ثمّ أثارت فجأةً حملة غضب واسعة في تركيا، وقد تزعّمت هذه الحملة شخصيات بارزة من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم و"حزب الحركة القومية" المحالف له، كما تظاهر البعض أمام بيت الفنانة، إلى جانب رفع دعاوى قضائية ضدّها بتهمة "إهانة القيَم الدينية" بسبب بعض الكلمات الواردة في الأغنية، من بينها وصف آدم وحوّاء بالجاهلَيْن.

شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضاً في النقاشات حول الأغنية بقوله: "لا يمكن للِسان أحد أن يطاول سيّدنا آدم، من واجبنا قطع تلك الألسنة عند الضرورة". كما سخر دولت بهجلي، رئيس "حزب الحركة القومية"، من أكسو التي يطلق عليها الأتراك لقب "العصفورة الصغيرة"، قائلاً في حديث صحافي: "إذا كنتِ عصفورة فحاولي أن تظلِّي عصفورة ولا تحاولي أن تكوني غُراباً". كما أصدرت رئاسة الشؤون الدينية التركية بياناً حول القضية، طالبت فيه أولئك الذين يتحدّثون عن الشخصيات التي كرَّمها الإسلام بأن يكونوا أكثر حذراً.

مرّت أربع سنوات على إطلاق الأغنية التي تثير الجدل اليوم

مقابل ذلك، تضامن عدد كبير من الكُتَّاب والفنانين الأتراك مع سيزان أكسو، واعتبروا أن حملة الغضب والتحريض عليها لا تليق بتاريخها الموسيقي الذي يعود إلى منتصف السبعينيات كمغنّية وكاتبة أغان وملحّنة صاحبة إضافة إلى موسيقى البوب التركية. من بين أبرز الأسماء التركية المتضامنة مع أكسو، الكاتب والموسيقي التركي زولفو ليفانلي، الذي ذكر عبّر حسابه الشخصي في "تويتر": "مَن شوَّهوا كلمات الأغنية لا علاقة لهم بالفن والكلمات والثقافة، إنهم يشاهدون بحر الفن من النوافذ السياسية الضيّقة. كلمة "جاهل" تستخدم في الشعر الشعبي التركي بمعنى عديم الخبرة".

كما اعتبر الروائي أحمد أوميت في تصريحات لعدد من الصحف التركية أن ما تتعرّض له أكسو هو "محاولة للتغطية على الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد"، وأن "مَن يستمع إلى الأغنية سيفهم أنها لا تمس أيّ مقدّس أو نبي". كما تضامن عازف البيانو فاضل ساي مع المغنّية في تصريحات صحافية قال فيها: "إننا بجانب سيزان بالطبع، ويجب أن نتركها لتقدّم فنّها بالطريقة التي تحلو لها". ووصف الكاتب والشاعر مراثان مونغان الحملة على أكسو بأنها ضجيج مَن لا حول لهم ولا قوّة، مضيفاً أن "الأتراك يجب أن يتذكّروا سيزان أكسو بما تستحقّ، لأنها وهبت روحاً خاصّة لتركيا بصوتها وكلماتها وألحانها".

في 21 كانون الثاني/ يناير الجاري، قرّرت الفنانة التركية أن تردّ على الحملة الموجّهة ضدّها بكلمات أغنية جديدة كتبتها بعنوان "قنّاص"، ونشرتها ضمن البيان الذي أصدرته في اليوم التالي لكتابة الأغنية، وشكرت فيه مَن تضامنوا معها. ومن كلمات الأغنية الجديدة: "لا يمكنك أن تُحزنني، فأنا بالفعل حزينة جدّاً؛ أينما نظرتَ تجد ألماً، أنا الفريسة وأنتَ القنّاص؛ لا يمكنك قتلي، لديَّ صوتي وموسيقاي وكلمتي؛ ونتيجة لذلك، أكتب منذ 47 عاماً؛ وسأستمرّ في الكتابة".

المساهمون