استمع إلى الملخص
- تتميز لوحات رشاد بوجوه تعكس مشاعر الألم والراحة باستخدام ألوان داكنة، مما يعزز عمق التجربة الإنسانية ويثير تساؤلات حول المعنى والوجود.
- تركز لوحاتها على النساء، حيث تعرض مجموعتين: الأولى تركز على التواصل الذاتي، والثانية تبرز الحسّية، وشاركت رشاد في معارض عديدة وتعاونت في إصدار "أمكنة".
تنطلق التشكيلية المصرية سلوى رشاد، في معرضها "البحث عن معنى"، من الأجساد المتلامسة والمتقاربة، نقطة الالتقاء هذه بين الخطوط هي التي تقترح الأجوبة المُمكنة. في السادس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بدأ عرضُ لوحات صاحبة معرض "العابر" للصور الفوتوغرافية (2005) في "مُلك آرت سبيس" بالإسكندرية، ويستمرّ حتى الخامس من كانون الأول/ ديسمبر المُقبل، "في محاولة للتجريب وإعادة اكتشاف الأشياء، والبحث عن جدوى الفنّ في واقع متغيّر، واقع حضوره أقوى من أي أداة تعبير، قد تُمارس لنقده والتصارع معه، أو الدفاع عنه عبر الأدوات الفنية والمفردات التشكيلية"، كما تكتب الفنّانة في تقديمها للمعرض.
في هروبه من مشاعر الاغتراب غالباً ما يبحث الإنسان عن المعنى خارجه، إلّا أنّ لوحات رشاد تبحث عن المعنى داخل الإنسان ذاته، لذلك تدعو المتلقّين إلى وعي ما يتشكّل فيها من معنى جديد، إنها رحلة ثنائية طرفها داخل أعمالها الفنية بكل ما فيها من رؤى متعددة، والطرف الآخر داخل ذواتنا البشرية بكل ما فيها من ارتباك وهواجس.
أجساد ولوحات ضخمة مركزُها الحيرة الدائرة في العيون
لكن هذا المسار لا يخلو من الآلام، وإن استبطن مقداراً من السعادة والاكتشاف والأمل أيضاً، حيث توضّح التشكيلية سلوى رشاد أن "سؤال المعنى يتجدّد دائماً بأشكال مختلفة، بعُمق التجربة التي نخوضها في حياتنا، التي ربّما نملك الإجابة عن معناها، لكن نحتاج إلى البرهان، وهو ما يثبت جذورنا في الحياة".
هناك وجوهٌ موشومة بالفَقْد في اللوحات، هذا أول انطباع يُمكن للمُتلقّي التقاطُه في اللوحات، ومن ثم إنّ المعنى الذي يُبحث عنه يجدُ جوابه في النظرات الإنسانية، في التوق إلى الآخر والانجذاب إليه، حيث عيون الشخصيات تقول الكثير وتتكثّف فيها الرحلة، نحن أمام أجساد ولوحات ضخمة مركزُها ذلك الحزن الطفيف وتلك الحيرة الدائرية، مفارقة لطالما تمّ تمثيلها في الفنون لكنها تبقى محتفظة بجدّتها.
ولو انتقلنا من العيون إلى تفحُّص الوجوه سنجدها محكومة أيضاً بمنطق الدائرة، إذ لا يوجد وجهٌ في لوحات رشاد يخرج عن هذا الشرط، وكأنها وجوه تدوّر الألم على ذاته، الألم الذي تحوّل إلى يأس أولاً ومن ثم صار راحة، بمعنى اعتياد الألم واللّاجدوى، وهذا يُذكّر بمقولة قديمة "اليأس إحدى الراحتين"، راحةٌ أولى تتمثل بالعثور على الجواب، وثانية يئست من ذلك تماماً. ربّما يبدو التوصيف هنا مبالغة في التأويل، وإن كانت مروحة الألوان الداكنة التي تسيطر على المشهد مثل الأسود والكحلي والرمادي، أو حتى صيغة شقيّة من الأحمر، تُؤيّد هذه القراءة إلى حدّ ما.
الأجساد في معرض رشاد تعود غالباً إلى النساء، لكن ماذا أبقت الاستدارات من ملامحهنّ وقد طويت ومُسحت عن اللوحة، وهذا نلمحه أكثر في الأعمال التي تضمّ أكثر من شخصية، وليس في الأعمال التي تصوّر جسداً واحداً. بهذا نكون أمام مجموعتين، الأولى تقتصد في أبعادها الحسيّة وتُركّز على التواصل الذاتي بين عناصرها بهدف العثور على المعنى، أما الثانية فتشدّ المتلقّي إليها أكثر، بطبيعة الحال، ويرتفع منسوب الحِسيّة فيها، خطَاطاتٌ سريعة لنساء سمينات مرسومات بالألوان المائية، ربّما عثرن على "المعنى كلّه" في أجسادهنّ.
وُلدت سلوى رشاد في الإسكندرية، وتخرّجت في "كلية الفنون الجميلة" عام 1986. شاركت في عدّة معارض بمجال التصوير الفوتوغرافي، إلى جانب أعمالها التشكيلية. من المعارض التي شاركت فيها: تقاطعات" (2015) في "مركز بهنا" بالإسكندرية، و"أجندة" (2022) في مكتبة الإسكندرية، و"خيوط" (2023) في "مساحة شيلتر"، و"المعرض العام" في القاهرة للعام الجاري. كما تتعاون مع الشاعر علاء خالد، منذ عام 1999، في إصدار المطبوعة غير الدورية "أمكنة" والتي تُعنى بثقافة المكان من خلال النصوص والصورة الفوتوغرافية.