تمرّ، اليوم الثلاثاء، ستّون عاماً على استقلال الجزائر الذي ختم مسار ثورة مسلَّحة ضدّ الاستعمار الفرنسي استمرّت سبع سنوات ونصف (1954 - 1962)، وسقط فيها ما يزيد عن مليون ونصف مليون شهيد، بحسب الأرقام الجزائرية الرسمية. لكنّ استعادة هذه المناسبة الوطنية تكادُ تقتصر على بعض الاحتفالات الرسمية التي يغلب عليها الطابع الاستعراضي، في حين تغيب الملامِح الثقافية والفكرية بشكل شبه تام عن المناسبة.
تتزامَن الذكرى مع إسدال الستار على الدورة التاسعة عشرة من "ألعاب البحر الأبيض المتوسّط"، التي تحتضنها مدينةُ وهران، غرب الجزائر، بين الخامس والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي والخامس من تمّوز/ يوليو الجاري، والتي أُقيمت مجموعةٌ مِن الفعاليات الثقافية على هامشها - بشراكة مع وزارة الثقافة؛ مثل: "أيام المسرح المتوسّطي"، و"المعرض الوطني للكتاب"، و"أيام مسرح الشارع" و"المهرجان المحلّي للموسيقى والأغنية الوهرانية"، و"المهرجان الدولي للرقص الشعبي" و"المهرجان الوطني لأغنية الراي"، إضافةً إلى سلسلةٍ مِن المعارض الفنّية والعروض السينمائية.
يختزل الخطاب الرسمي الثورة التحريريةَ في بعدها العسكري والحربي
وعلى خلاف التظاهُرة الرياضية، لم تُعلِن وزارةُ الثقافة الجزائرية عن برنامج ثقافي خاصّ بستّينية الاستقلال. فما أُعلن عن تنظيمه، حتى اليوم، لا يتعدّى بعض الفعاليات المتفرّقة التي تُنظّمها مؤسَّسات رسمية في مُدن جزائرية مختلفة؛ بعضُها استُحدث خصّيصاً للمناسبة، كما هو الأمرُ بالنسبة إلى "الأيام الوطنية للمسرح الثوري" التي أُقيمت دورتُها الأُولى في عددٍ من الفضاءات الثقافية بولاية سطيف، شرقَ الجزائر، بين الثلاثين من الشهر الجاري والرابع من الشهر الماضي، وبعضُها لا يمتُّ بصلة إلى المناسبة، لكنّ القائمين عليه لم يغفلوا عن الإشارة إلى أنّه يُنظَّم "في إطار الاحتفالات المخلّدة للذكرى الستّين للاستقلال".
يغلب على تلك الفعاليات، التي بدا أنّه حُضّر لها بكثير من الاستعجال فقط بهدف تسجيل حضورٍ في هذه المناسبة كيفما كان شكلُه ومضامينه، الجانبان الاستعراضي والفولكلوري، كما في حفلٍ فنّي احتضنه "ملعب 5 جويلية" في الجزائر العاصمة يوم الجمعة الماضي، وتضمَّن استعراضات وأغانيَ وطنية ورقصات فولكلورية قُدّمت "في جوّ بهيج مفعَم بمشاعر الاعتزاز والفخر والفرح"، كما نقرأ في "وكالة الأنباء الجزائرية".
في مقابِل ذلك، لا نعثر في البرنامَج غير المعلَن على ملتقيات ومؤتمرات فكرية تناقش الثورة والاستقلال مِن منظورات فكرية وفلسفية وأدبية وتاريخية. ولعلّ هذا الاختزال يُشير إلى اختزالٍ أوسع يتمثّل في "اختزال الخطاب الرسمي للثورة التحريرية في بُعدها العسكري والحربي"، والتعبير لأستاذ الفلسفة المعاصرة، الزواوي بغورة، الذي قال في مداخلةٍ له ضمن "مؤتمرُ الدراسات التاريخية" - الذي عقده "المركزُ العربي للأبحاث ودراسة السياسيات" في الدوحة خلال أيار/ مايو الماضي بعنوان "الثورة الجزائرية في ذكرى انتصارها الستّين" - إنّ الخطابَ الرسمي في الجزائر يختزل الثورة من خلال تركيزه على الجوانب العسكرية، معتبراً أنّ الثورة بشكل عام، والثورة الجزائرية تحديداً، لا يمكن اختزالها في البعد العسكري، باعتبار أنّها "عملية شديدة التعقيد، سواء مِن جهة التجربة السياسية السابقة للثورة، أو عناصرها التكوينية والبنيوية، أو طرائقها وأساليبها في الكفاح، أو في آثارها وأبعادها وآفاقها، أو في نوعية الفاعلين الاجتماعيّين القائمين بها".