"طوال الوقت ظلّت تدمدم صلواتها وهي تنزل من الباخرة إلى إليس آيلاند. المهاجرون تدافعوا على "السقالة" الخشب وهي تمسّكت بحبال الدرابزين ورأت جرذان الماء تقفز من الصناديق إلى الأرصفة. المبنى الضخم المتربع على الجزيرة ابتلع البشر المتدفقين كالأنهار من البواخر: أين يختفون؟ لا يغرقون في الضباب، لكنهم يغيبون عنها في قاعات وممرات وغرف كثيرة".
يرد هذا المقطع، حول وصول مرتا أندراوس حدّاد إلى نيويورك، في الصفحة الأولى من رواية "أميركا" للكاتب اللبناني ربيع جابر؛ ومثل عددٍ هائل من المهاجرين الذين وصلوا إلى الولايات المتّحدة مطلع القرن الماضي، فإنه كان على مرتا حدّاد أن تنزل أوّلاً في إليس آيلاند، حالها كحال ك. بطل رواية "أميركا" لكافكا، أو إيفا كيبولسكا بطلة فيلم "المهاجِرة" لجيمس غراي.
"إليس آيلاند" عنوانُ معرض للمصوّر الأميركي ستيفن ويلكس، افتُتح في "غاليري غاد كوليكسيون" بباريس في السابع والعشرين من آذار/ مارس الماضي، ويستمرّ فيه حتى السادس والعشرين من نيسان/ أبريل الجاري، ضامّاً سلسلةً من الأعمال التي تدور حول الجزيرة التي كانت النقطة الأولى لاستقبال ملايين المهاجرين الواصلين إلى أميركا منذ نهاية القرن التاسع عشر.
مضى على التقاط ويلكس لسلسلته هذه نحو 20 عاماً، إذ أنجزها بين عامَيْ 1998 و2003؛ على أنّ هذا البُعد الزماني عن لحظة التقاط الصور لا يُنقص شيئاً من مقولة الأعمال، فالقاعات والرّدهات الفارغة، والمتهالكة، تبدو في أعمال المصوّر الأميركي وكأنّها معلّقة خارج الزمن، أو متوقّفة مع اللحظة التي هُجرت فيها الجزيرة كنقطة استقبال للمهاجرين عام 1954.
يُشير منظّمو المعرض إلى تجنّب ويلكس إضافةَ أيّة زوائد تقنية - من إضاءة أو إعادة توزيع وتهيئة مكان التصوير، على سبيل المثال - على الحُجرات التي صوّرها، حيث رغب بالتقاطها على ضوء الشمس فحسب، في محاولة لتسجيل الحالة التي وجد فيها هذه القاعات والمباني عندما دخلها لأوّل مرّة، وكذلك لأن "ضوء الشمس - بمروره في هذه الحُجرات - يُعيد إحياء الماضي".