زيارةٌ قصيرة لسماء نابلس

20 سبتمبر 2021
من نابلس وجبليها، 1898(Getty)
+ الخط -

في السماء
قصرُ المصريِّ الّذي رفعَ دعوًى ضدَّ بلفور وبكى في المحكمة،
كأنّهُ معبدٌ داخلٌ في الغروب،
إطلالةٌ عسكريّةٌ تراقبُ التفافَ المدينةِ حولَ خصرِ الجبل،
تُديرُ شؤونَ عصافيرِها، وتقنصُ أيَّ نسرٍ يتعلّمُ فنّ الصيد
قلعةٌ لصلاحِ الدين، بناها بعدَ أنْ دلَّهُ السَّمَرَةُ على سرِّ النفق، 
فطردَ الأوروبّيّ الّذي يحكمُنا باسمِ صليبِنا
ذلكَ قبلَ أنْ تصيرَ ليهودِ جرزيمَ بوّابةٌ تُغْلَقُ على نومِهِم،
وتُبْنى لأطفالِهِم مدارسُ خاصّةٌ 
أكثرُ عبريّةً
كما يحبُّ وَعْدُ أوسلو.

في نقطةٍ بينَ علوِّ الثلاثةِ
كنّا على مقعدٍ أمامَهُ أثرُ نارٍ حديثٍ
حيثُ تأتي ولّاعاتٌ مِنَ المدينةِ لتحتسي وتدخّنَ القنّبَ المحظور،
بينما تشاهدُ حُسْنَ تاريخٍ أرضيٍّ نشتري تفسيرَهُ مِنَ المكتباتِ
ونحكي قصصَ أقدامِنا
وأجنحةً قادمةً
نشاؤُها.

كم جميلٌ 
تحوّلُكِ يا نابلس مِنْ نهارٍ إلى ليلٍ مضيءٍ
يسيلُ مِنْ أسنانِ السفحِ إلى سرّةِ الوادي
كأنّكِ صبايا وشبّانٌ يرقصُ حُسْنُهُمُ الخفيفُ في حفلةٍ
على جزيرةٍ ترتدي الأزرق.

سيقولُ الكاهنُ، بعدَ أن يقرأَ خطوطَ يدي،
إنّني كنتُ قرصانًا يدافعُ عَنْ شواطئِ الرباطِ مِنْ هجماتِ البرتغاليّين،
لكنّ سفينتي ضلّتْ الطريقَ في العاصفةِ وسلّمتْ أخشابَها للريح،
وها أنا ابنُ فلّاحينَ على الساحلِ الغربيِّ من آسيا
لكنْ بلا أرضٍ تحرُثُه.

سيقولُ،
إنّ الثعابينَ كثيرةٌ، لا لأنّها جنسٌ شرّير، بل لخَلَلٍ عامٍّ في غنى النفسِ، وضعفٍ في القدرةِ على فهمِ جماعيّةِ الجمالِ، فارتفِعْ، وراقبْ جيّدًا ممشاكْ،
لا تدخلْ جحورًا كنتَ فيها آنفًا، وغِبْ تمامًا إِنِ استطعتَ، 
لأنّ الخديعةَ أوضحُ مِنْ نَقْصِكَ، وأقدمُ كثيرًا مِنْ صورةِ نصِّكَ،
اختفِ.

كم جميلٌ حزنُكِ يا نابلس،
تُعلِنُهُ عشراتُ المآذنِ معَ انتهاءِ يومِكِ مرّةً واحدة،
ثمّ تمشي في التناقصِ البطيءِ
مثلما تُرْفَعُ الكراسي على الطاولاتِ
دونَ أنْ يشعرَ آخرُ الجالسينَ في الحياةِ أنّ النهايةَ
تملأ حوضَ الغسيلِ 
بالكلور.

يستوضحُ صديقٌ مِنَ الكردِ عن صفيحتِكِ ليقارنَها بالدمشقيّةِ أو الحمصيّة،
عن الكنافةِ الّتي ستكونُ محطّتَنا الأخيرةَ قبلَ مشيِنا إلى حاجِزِ جبارة،
لندخلَ معَ الخارجين، فأحكي لهُ الحلاوةَ الّتي في وجوهِكِ
تضحكُ رغمَ الشوكِ الّذي في
يدي.

على الأقلّ،
لقد أكلنا صَبْرًا مِنْ مرجِ ابنِ عامرٍ هذا الصباح،
لأوّل مرّةٍ بعدَ اثنينِ وعشرينَ عامًا،
لقد قبّلنا طفلًا، أوصَلَنا إلى خدّهِ حفرُ نفقٍ
في الاتّجاهِ المعاكسِ مِنَ اكتظاظِ 
المخيّم.


* شاعر من فلسطين

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون