"زهور" جميل ملاعب.. علامة الذهاب إلى الربيع

13 فبراير 2023
جانب من المعرض
+ الخط -

منذ العام الماضي والمشهد التشكيلي اللبناني يشهد عودة للطبيعة سواء كموضوعة تشكيلية، كما عند هدى بعلبكي في "رحلة مواطن كوني"، أو حتى بروزها منذ العنوان، كـ"غابة" آلان فاسويان، والأشجار في "حديقة كبيرة تحتضن السماء بأغصانها" لريما أميوني، أو حتى المعرض الجماعي الذي أُقيم في موسم الأعياد بعنوان "أهدني شجرة لموسم الأعياد". 

وفي ذات السياق يحضر التشكيلي جميل ملاعب (1948) ليوقّع هذه الأيام اشتغالات جديدة، في معرض يحمل عنوان "زهور ملاعب"، الذي يتواصل في "غاليري جانين ربيز" ببيروت حتى الخامس والعشرين من شباط/ فبراير الجاري.

الدقّة هي أول ما يُطالعُ الزائر للمعرض، وإنْ كانت موضوعة الطبيعة بدهية الحضور في بلدٍ يوصف بأنه غنيّ بيئياً، ولطالما ارتبط فنّانوه بعناصره وما يشتهر به، إلّا أنّ اختيار الزهرة لتكثّف تلك الخلفية العريضة، يعني أن ملاحقة لأدقّ التفاصيل والجمال الكامن فيها ستتم. 

استخراج لطاقة الزهور وتنويع لوني على وظيفتها الجمالية

بهذا يستحيل الكائن الرمزي والصغير (الزهرة) معجماً لونياً ينطوي على أبواب وفصول، تكاد تتعلّق وتنفتح على بعضها من خلال كُوىً وتوليفات. لكنّ هذا لا يعني أنّ اللوحة ستُلاحق موضوعها من حيث الحجم، وتتأقلم مع نمنمته؛ على العكس، فحجوم اللوحات متوسّطة، وهذا ما يرتقي بموضوعه إلى مقاربة أكثر رشاقة.

الصورة
من معرض جميل ملاعب - القسم الثقافي
(من المعرض)

لا تخلو إحالاتُ ملاعب من طقس فيه مقدارٌ من السرور، نخرج فيه من الإسقاطات اللونية التي تُحاكي الأجواء الاجتماعية - كما يحدث في بعض المعارض الأخيرة - إلى مساحة أكثر انشغالاً باللون في ذاته. وهنا لا بدّ من الدخول إلى تحت هذه القبّة التي يشدُّها الفنّان من كلّ جهة، ويرفعها على سيقان الكائن النحيل الرقيق، في محاولة لاستخراج كلّ طاقات الزهور، لا من حيث وظيفتها الجمالية المعروفة سلفاً فحسب، بل من حيث التنويع واختلاق وظائف أكثر متانة وممسوسة ببُعدٍ لا يخلو من قوّة.

وترجمةُ هذا تقنياً، هي قدرة اللون على الاكتفاء بذاته، واستغراقه في حدود قصوى رغم أنّ اللوحة الواحدة تتجاور فيها مروحةٌ مختلفة من الألوان.

الصورة
من معرض جميل ملاعب - القسم الثقافي
(من المعرض)

من جهة ثانية، هل يستوعب المعرض شيئاً من مفهوم الطبيعة الصامتة، أو على الأقلّ هو نسخة خاصّة منه؟ هذه حالةٌ تذوقيّة حِسّية أكثر من أن تكون انتظاماً في تحليل منطقي. وأيّ عنصر في الطبيعة استثارَ الحواس واستعان به النقّاد حتى خارج حقل التشكيل ودلالاته كما فعلت الوردة؟ وبهذا لا يجد المتلقّي نفسه في إطار معزول، بل في محيط يوفّر شرط التراسُل بين الحواس. 

يستبق ملاعب الربيع ويبثّ أزهاره في قلب شتاء مُكلّل بالعواصف والزلازل، فيكتب في تقديمه للمعرض: "زهرةٌ، أم هدية الأرض في فضاء الطبيعة البِكر، هدية الربيع للفصل الجديد. أقحوانة الحديقة، صديقة البيت العتيق، وعلامة الذهاب إلى حقل الدار". مَن يدري، فلعلّ شيئاً من هذه الكلمات ينقل متانة الزهرة المتمثّلة في اللوحة إلى الواقع الملموس.

المساهمون