زاد.. النحام الوردي يظهر في تونس

04 ابريل 2021
رسمة لـ "زاد" بعنوان "نموذج الكامور"، 2020
+ الخط -

لعلّه أشهر فنان كاريكاتير تونسي، منذ عشر سنوات على الأقل. صفحته على فيسبوك ("جدل تونس"، بالفرنسية) تُعدّ واحدة من أكثر الصفحات متابعة، ويمكن اعتبارها ذاكرة حية للمشهد السياسي؛ فكل الشخصيات الفاعلة حاضرة فيها، ولا أحد يسلم من سهام النقد اللاذع، والبذيء في أحيان كثيرة. 

إنه رسام الكاريكاتير مجهول الهوية "زاد"، والذي تحضر أعماله في معرض بعنوان "بسيكاريكاتير" يُقام على هامش تظاهرة ينظّمها موقع "نواة" الإلكتروني في مقرّ صحيفته في تونس العاصمة. يختتم المعرض اليوم، ولم يستمر سوى ثلاثة أيام، ولكنه يحمل خصوصية فريدة؛ فهو أوّل معرض يحمل توقيع "زاد" في بلده. وعلى هامش المعرض، شارك "زاد" - لأوّل مرة أيضاً - في برنامج إذاعي في تونس، فهل يفكّر الفنان في نزع قناعه قريباً؟

يجمع عنوان المعرض بين "بسي" (من علم النفس) وكاريكاتير، وهو إشارة إلى فئة من الرسومات التي اشتهر بها "زاد" حين يرسم بورتريه شخصية سياسية أو فنية بأسلوب التشريح النصفي بحيث يُظهر خلفياتها ومرجعياتها بأسلوب ساخر. سنجد ضمن هذا النوع من الرسومات ما يشبه معجماً للشخصيات السياسية التونسية من نهايات فترة حكم زين العابدين بن علي إلى الرئيس الحالي قيس سعيّد، والذي نجد أنه بات أحد أكثر الشخصيات حضوراً في أعمال "زاد" بسبب موقعه الجديد في المشهد.

بفضل إخفاء هويته، لم يتعرّض "زاد" لمضايقات طاولت بعض زملائه

هناك ثوابت كثيرة في أعمال زاد الكاريكاتيرية، منها اعتماد اللون البنفسجي كشعار لزمن بن علي وأيضاً لكل من يراهنون على عودة البلاد إلى نفس المربعات التي كانت تقف فيها قبل 2011. تظهر كذلك في رسومات زاد تلك الصراعات العنيفة بين المتشدّدين الدينيين ودعاة التحديث المجحف، بحيث تظهر تونس مثل ماكينة كبيرة تحرّكها متناقضات لا يمكن الفصل بينها.

يحضر أيضاً في أعمال "زاد" طائر النحام الوردي، والذي جعل منه شخصية مفهومية تجمع ملامحها بين التمرّد على الوضع القائم والتصريح بكل عيوب منظومة الحكم والأحكام الاجتماعية السائدة. خلال أيام الثورة، بين نهاية 2010 وبدايات 2011، حضرت شخصية النحام الوردي بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي وكأنها كانت تقوم بتغطية ميدانية للثورة عبر الكاريكاتير. 

يُحسب لـ"زاد" ذلك الترابط الدقيق بين هذه العناصر ونجاحه في بناء سردية بصرية باتت اليوم توثّق لقرابة عقد ونصف من تاريخ تونس الحديث. كما تُحسب له طرافته في اختراع السخرية ورفدها بمرجعيات متنوعة من السينما والأدب والتاريخ السياسي. المفارقة أن ما يصنع جماهيريته هو نفس ما يصنع تغييبه، حيث ينتقد "زاد" في كثير من الأحيان على خروجه من كل الضوابط، إذ اعتمد في أعمال كاريكاتيرية كثيرة على التعرية (بالمعنى الحرفي للكلمة، ناهيك عن معناها المجازي) والتلميحات الجنسية، ناهيك على نزعة نحو السخرية من المقدّسات الدينية.

بفضل إخفاء هويته، لم يتعرض "زاد" لمضايقات تعرّض له رسامو كاريكاتير في تونس لم يتجرّأوا على نصف ما قدّمه في رسوماته. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل إخفاء الهوية شرط من أجل التمتع بمزيد من حرية التعبير؟

المساهمون