ضمن "سلسلة ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت حديثًا النسخة العربية من كتاب "مدرسة فرانكفورت: تاريخها وتطوّرها النظري وأهميتها السياسية" للباحث الألماني رولف فيغرسهاوس؛ بترجمة عصام سليمان وغانم هنا.
يحدّد الكتاب الخطوط العريضة لتاريخ هذه المدرسة منذ تأسيس "معهد البحث الاجتماعي" في عهد جمهورية فايمار، والذي أصبح بعد عام 1930 مركزًا للفكر اليساري، مرورًا بانتقال أعضائها إلى المنفى (بداية إلى جنيف ولاحقًا إلى نيويورك) بعد وصول النازيين إلى السلطة، فعودتهم إلى ألمانيا بعد الحرب، وصولًا إلى أوائل سبعينيات القرن الماضي.
يجمع الكتاب بين السير الذاتية التي أُعيد بناؤها بشكل نقدي، وتاريخ المعهد، وتطور النظرية، ويعرض البيئة العلمية والخلفيَّتين الاجتماعية والسياسية، إذ بدا أن المدير الجديد للمعهد ماكس هوركهايمر يتصرف منذ البداية انطلاقًا من قناعته بأنه حامل رسالة ثورية، كان إيصالها سالمة وسط كل المخاطر الكبيرة هو الأكثر أهمية.
حاول هوركهايمر، بحسب المؤلّف، أن يتجاوز أزمة الماركسية بربطها بالتقدُّم الحديث في ميدان العلم "البرجوازي" والفلسفة، وعلى خلفية رفض ماكس فيبر وهايدغر للتنظيرات حول معنى الكون المعطى مسبقًا والجوهر فوق التاريخي للإنسان، ربط هوركهايمر بين إنقاذ لوكاتش وكورش العناصر الفلسفية في الماركسية، وإدراج ماكس شيلر للعلم التجريبي في الفلسفة.
يقصّل الكتاب آراء أبرز مفكرّي هذه المدرسة، حيث تحدث يورغن هابرماس في محاضرته الافتتاحية في فرانكفورت عن الطبيعة الرخوة الحاضرة في الفرد بوصفها ليبيدو، والتي تلحّ على التحقق اليوتوبي، وإرنست بلوخ الذي سطع نجمه في الستينيات في ألمانيا الغربية، ولاقى إقبالًا كبيراً عندما ألقى، على سبيل المثال، في كانون الثاني/ يناير 1965 في فرانكفورت، محاضرة عنوانها "الوضعية، والمثالية، والمادية"، وطبيعة العلاقة بين بلوخ وتيودر أدورنو اللذين كانا خصمَين أكثر منهما حليفَين.
رأى بلوخ في أدورنو تلميذًا خائنًا، بينما رفض أدورنو بلوخ بسبب ما سمّاه نمط التفلسف غير المنضبط و"المتفاخر". كذلك لم يكن مقبولًا، بالنسبة إليه، رفع الأمل إلى مستوى مبدأ، ومفهوم التصالح مع الطبيعة الذي ضمّ تصوّر طبيعة طابعة؛ أي طبيعة لا تنعكس على نفسها من حيث هي ذات، وفق الكتاب.
يُذكر أن رولف فيغرسهاوس درس الفلسفة وعلم الاجتماع والآداب الألمانية تحت إشراف تيودور أدورنو وغيره من أساتذة الاختصاص، وأكمل الدكتوراه في "فرانكفورت أم ماين" تحت إشراف يورغن هبرماس. يعمل منذ ذلك الحين إعلاميًا مستقلًا ومحاضرًا في جامعات مختلفة في داخل ألمانيا وخارجها. نُشِر كتابه "مدرسة فرانكفورت" عام 1986، وأصبح من وقتها عملًا مرجعيًا تُرجم إلى لغات عدة، كما له مؤلفات أخرى عن أدورنو وفيتغنشتاين وهابرماس.