رحيل خورخي إدواردز: "شخص غير مرغوب فيه" ومحبوب جداً

20 مارس 2023
خورخي إدواردز في باريس عام 2007 (Getty)
+ الخط -

رحل الكاتب التشيلي خورخي إدواردز، الروائي والقاص والناقد الأدبي والصحافي، الذي مارس العمل الدبلوماسي بين سنتَي 1957 و1973، مساء يوم الجمعة 17 آذار/ مارس الجاري، بينما كان نائمًا، عن عمر يناهز 91 عامًا، في بيته بحي سلمنكا في مدريد. وكان إدواردز المولود في سانتياغو عام 1931، مؤلّفًا لأعمال أدبية، منها: "شخص غير مرغوب فيه" (1973)، و"متحف الشمع" (1981)، وسيرة نيرودا، التي عنونها بـ"وداعًا أيها الشاعر" (1990)، أحد أهم أدباء أميركا اللاتينية خلال القرن الماضي، فقد نال "جائزة سيرفانتس" عام 1999، حيث صُنّف أدبيًّا ضمن جماعة الجيل الخمسيني.
 
بعد انتشار خبر وفاته، اجتمع عدد من الكتّاب والشخصيات المُنتمية إلى عالم الأدب والثقافة في إسبانيا وأميركا اللاتينية في بيته المدريدي لتوديعه مثل: البيروفي خورخي إدواردو بينافيدس، والفنزويلي خوان كارلوس شيرينوس، ورئيس "مؤسسة أكاديميات اللغة" فرانسيسكو خافيير بيريث، والشاعرَين الإسبانيّين إرنستو بيريث ثونييغا وخوان مالبارتيدا. وقد علّق الكاتب التشيلي كارلوس فرانث الذي كان ضمن الجمع الحاضر في بيت إدواردز: "كان كاتبًا من الدرجة الأُولى ضمن الأدب الرفيع لأميركا اللاتينية... سوف يتمُّ تذكُّر أعماله الرائعة ذات الملمح السياسي، مثل 'شخص غير مرغوب فيه'، لقد كان من أوائل من وضع مسافة فاصلة مع الثورة الكوبية، لكن، سيكون ظلمًا مجحفًا عدم الاعتراف بأعمال لامعةٍ أُخرى في مساره ككاتب مثل 'الشخص اللامجدي في العائلة'، أو 'بيت ديستويفسكي'".

ظلّ حتى رحيله مُنكبّاً على إنجاز الجزء الثالث من مذكّراته 

ليلة الجمعة، خصّص رئيس التشيلي غابرييل بوريك للكاتب التشيلي بضع كلمات على التويتر، كما أرسل تعازيه إلى أسرته، واصفاً إياه بأنه "شاهد يقِظٌ على الحِقبة التي عاشها"، مؤكّدًا أن الحياة الثقافية للبلاد ستفتقده.

كان إدواردز يوزّع فترات حياته بين العيش في سانتياغو دي تشيلي ومدريد، لكنّه كان قد استقرّ بشكل نهائي في العاصمة الإسبانية بعد جائحة كورونا. وقد عُرِفَ في مساراته مع الكتابة الروائية بأعمال شهيرة مثل "شخص غير مرغوب فيه" التي نُشرت عام 1973، وسيرة بابلو نيرودا "وداعًا، أيها الشاعر" التي نُشرت عام 1990. 

وقبل خمس سنوات من حصوله على "جائزة سيرفانتيس"، مُنح "الجائزة الوطنية للآداب" في التشيلي عام 1994، وكان أيضًا عضوًا في "أكاديمية اللغة" في التشيلي منذ 1982. وقد صرّحت الكاتبة التشيلية أدريانا فالديس، عضو الأكاديمية والرئيسة السابقة للمؤسسة: "أنا في حِداد مثلما الأدب التشيلي. لقد رحل خورخي إدواردز في مدريد. عاش إدواردز مأساة النفي بعد الانقلاب العسكري لبينوشيه سنة 1973 ببرشلونة".

وقد أكّد الكاتب التشيلي رافائيل غوموثيو قائلاً: "من الغريب أن التعبير المسكوك 'شخص غير مرغوب فيه' ارتبط إلى الأبد باسم إدواردز علمًا أنه كان شخصًا لطيفا للغاية. رجل رأيته يتكيّف مع البيئات الأكثر غرابة، والوضعيات المرحة واللّامتوقّعة في أوقات متأخّرة من الليل. كان دائمًا أول من يصل وآخر من يغادر والوحيد الذي لا يفقد أبدًا التحكّم بأعصابه أو أوراقه، رغم أن جدّيته في هذه الساعة كانت شبيهة بجدّية الممثّل غروشو ماركس، أي أنها يمكن أن تكون أيَّ شيء عدا جدّية. يعاني العديد من الكتَّاب من التواضع الزائف، أما خورخي فقد عانى من الكبرياء الزائف. كان يعرف البروتوكول، لكنه كان يكره الاحتفالية الرسمية".

قبل أسبوعين عانى إدواردز، الذي كان يعيش مع ابنته الصغرى، من سقطة في بيته أثّرت على أحد كتفيه، وعقّدت من وضعيته الصحية. مثقّف عميق ومحاور كبير، كان حتى ذلك الحين نشيطًا منكبًّا على كتابة المجلّد الثالث من مذكراته، لكن الحادث أفسد خُططه، ورحيله سيترك هذا العمل غير مكتمل. أمضى أيامه الأخيرة في السرير، ويوم الجمعة الأخير ذهب إلى المستشفى بسبب وضعيته الصحية التي ساءت، لكنه بعد خروجه مساء من المستشفى وبعدما استلقى في فراشه للنوم غادر الحياة ولم يستيقظ مرّة أخرى.

ولد إدواردز في سانتياغو عام 1931، ودرس في كلية الحقوق بـ"جامعة تشيلي"، و"المعهد التربوي" في الجامعة نفسها. بعد ذلك، أكمل دراسته العليا في "جامعة برينستون" الأميركية، وعام 1952 نشر كتابه الأول "الفناء" الذي يضمّ مجموعة قصصية، أما أول أعماله الروائية فصدر عام 1956 بعنوان "عبء الليل". 

شغل على المستوى الدبلوماسي مناصب مختلفة في باريس وليما وهافانا، كما كان صاحب "متحف الشمع" صديقًا مُقرّبا لبابلو نيرودا، وكرّس العديد من أعماله عنه، مثل: "بابلو نيرودا وزمنه" (1990)، و"آه، أيتها الخبيثة" (1991). وبرغم فارق السن بينهما الذي يمتدّ إلى 30 سنة، فقد تعرّف الروائي التشيلي إلى مواطنه شاعر "نوبل" عن قرب خلال مختلف مراحل حياته. وكان آخر لقاء بينهما في باريس في سبعينيات القرن الماضي، قبل رحيل نيرودا في أيلول/ سبتمبر 1973 بفترة قصيرة. "حين يسألونني عمّا إذا كانوا قد قتلوه، أقول دائمًا: كان الأمر أشبه بقتل ميت. كان نيرودا مريضًا بشكل خطير وقد عرفت ذلك عن قرب"، علّق إدواردز في مقابلة حول التحقيق القضائي الذي حاول تحديد سبب وفاة نيرودا: هل اغتيل من قبل النظام العسكري لبينوشيه أم أنه مات بسبب سرطان البروستاتا الذي كان يُعاني منه؟

بعد الانقلاب العسكري واغتيال الديمقراطية في تشيلي، رحل إدواردز إلى برشلونة، حيث عمل مديرًا لدار نشر "ديفوسورا إنترناسيونال" وتعاون كمستشار في دار النشر "سيكس بارال"، كما عمل بين عامي 1994 و1997 سفيرًا لدى اليونسكو في باريس، وكان عضوًا في المجلس التنفيذي، ورئيسًا للجنة الاتفاقيات والتوصيات المتعلّقة بحقوق الإنسان بين عامي 1995 و1997. وفي عام 2010، عُيّن سفيراً لتشيلي في باريس، لكنه لم يتوقّف عن ممارسة الكتابة حتى نهاية حياته، وغير ما مرّة صرّح بأنه لا يفكّر في اعتزال الكتابة: "أنا عجوز ولدَيَّ خططٌ، من الجيد أن تكون لديك خطط". تُرجمت كتابات إدواردز إلى العديد من اللغات، وكان كاتبًا ملتزمًا ومدافعًا عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. 


* شاعر ومترجم من المغرب

نصوص
التحديثات الحية