تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الخامس والعشرون من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد الفنانة والمخرجة المسرحية اللبنانية نضال الأشقر (1943).
"مسرحي يدافع عن حقوق المرأة، عن حقوق الضعيف، عن حقوق الفقير. هو مسرح للناس، للشعب"، هكذا تصف نضال الأشقر التي تحلّ ذكرى ميلادها اليوم الخميس تجربتها الممتدة منذ ستينيات القرن الماضي باشتغالاتها المتعدّدة في التمثيل والإخراج والكتابة ومواقفها الجريئة في السياسة والحياة.
وُلدت الفنانة والمخرجة المسرحية اللبنانية في بلدة ديك المحدي بالمتن، وكان والدها أسد الأشقر من أبرز قيادات الحزب السوري القومي، أمضى معظم حياته سجيناً أو مطارداً، فتواجهت منذ صغرها مع المثقفين والسياسيين الذين كانوا يرتادون بيت العائلة الذي شكّل مدرسة تعلّمت منها الكثير، وقرّرت باكراً أن تدرس التلفزيون لعدم رؤيتها المسرح إلا في القرية كما تصرّح في مقابلة صحافية سابقة.
في عام 1960، سافرت الأشقر إلى لندن والتحقت بـ"الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية" (RADA)، وهناك أعادت اكتشافها للغة والجسد كفعل تحرّر وإبداع على الخشبة، لتفهم المسرح منذ ذلك الوقت بوصفه تعبيراً رافضاً متمرداً، ومقاوماً للتخلف والعنصرية والاحتلالات عبر التاريخ.
تعاملت مع المسرح بوصفه تعبيراً رافضاً متمرداً، ومقاوماً للتخلف والعنصرية والاحتلالات عبر التاريخ
بعد عدّة أعوام، ستعود إلى لبنان محمّلة بمعرفة وشغف شديدين للفن السابع، لتخرج مسرحيتها الأولى "المفتش العام" عن نص الكاتب الروسي غوغول، وتؤسس مع المخرج روجيه عسّاف "محترف بيروت للمسرح" سنة 1968، الذي سيكون له دور بارز في تنشيط الحركة المسرحية اللبنانية في مساحة تشارك فيها الكتّاب والشعراء والصحافيون مع أهل المسرح، وقدّمت خلالها أعمالاً برؤية نقدية لتركيبة النظام اللبناني وفساد رجالاته كما في مسرحيتها "مجدلون" (1969) التي مُنع عرضها في "مسرح البيكاديللي"، فنزلت مع الممثلين إلى الشارع وقدّمت عروضها للناس.
إلى جوار المسرح، شاركت ممثلة في العديد من المسلسلات التلفزيونية، منها "تمارا" من إخراج إلياس متى، و"نساء عاشقات" من إخراج سمير نصري، إلى جانب العديد من الأعمال الدرامية التاريخية مثل "شجرة الدر" من إخراج صلاح أبو هنود، و"زنوبيا ملكة تدمر" و"جارية من نيسابور" من إخراج عدنان الرمحي، و"المعتمد بن عباد" من إخراج عبد الوهاب الهندي.
كذلك قدّمت في السينما أفلاماً عدّة كان باكورتها فيلم "الأجنحة المتكسرة" (1964) ليوسف معلوف عن نص جبران خليل جبران، و"السيد التقدمي" (1974) لنبيل المالح، إلى جانب مشاركتها في فيلم "في حاجة إلى الحب" (1984) للمخرج الأميركي جيري شاتزبرغ، وكثيراً ما تمنّت لو أنها شاركت في مزيد من الأفلام والمسلسلات، لكنها تفرّغها للمسرح حال دون ذلك.
وبسبب ظروف الحرب الأهلية اللبنانية، انتقلت الأشقر للإقامة في عمّان حيث أسّست هناك "فرقة الممثلون العرب" التي جالت العديد من البلدان العربية والأوروبية لتقديم مسرحياتها، ثم عادت بعد انتهاء الحرب لتؤسس مشروعها الطموح "مسرح المدينة" عام 1994، وعلى خشبته قدّمت مسرحيات مثل "طقوس الإشارات والتحولات" (1996) و"منمنمات تاريخيّة" (1997) عن نصين لسعد الله ونوس، و"3 نسوان طوال" (1999) عن نصّ لإدوارد ألبي.
لأكثر من خمسين عاماً قدّمت تساؤلات الواقع والوجود على المسرح، الذي حوّلته دوماً إلى ورشة حيّة متواصلة استطاعت من خلالها أن تتعاون مع أبرز الكتّاب والمخرجين والفنانين، وأن تقدّم العديد من الفنانين والمخرجين الشباب الذين بدأوا خطواتهم الأولى في مدرستها المفتوحة على الخلق والابتكار.