ذكرى ميلاد: نات كينغ كول.. صوتٌ لا يمكنك أن تنساه

17 مارس 2023
نات كينغ كول في لوس أنجليس، 1963
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يُصادف اليوم، 17 آذار/  مارس، ذكرى ميلاد الموسيقي الأفرو-أميركي نات كينغ كول (1919- 1965).



لو كان فنّان الجاز، المغنّي وعازف البيانو الأفرو-أميركي نات كينغ كول حيّاً بيننا، لاحتفل اليوم بذكرى ميلاده الرابعة بعد المئة، هو الذي توفيّ مبكّراً، بسرطان الرئة، في الخامس عشر من شباط/ فبراير 1965.

بدأ الفنان كعازف بيانو لموسيقى الجاز، ليتحوّل مع الوقت إلى واحدٍ من أفضل أقرانه. وكان ثلاثيّه الموسيقي، المؤلّف من بيانو وبيس وغيتار، يحوّل الإيقاعات والألحان إلى مزيجٍ متناغم وسلِس عُرف به. لكنّ ما سيشكّل عظمته ونجاحه الكبير في تاريخ الموسيقى الأميركية لم يكن إتقانه لهذه الآلة، بل صوته.

فقد كان كول مغنّياً رقيقاً ومن طراز خاصّ لِما يُعرف بـ البالادز (ballads)، أو القصائد الرومانسية، محوّلاً كلّ أغنية إلى ما يشبه التعويذة، بحنجرته الفريدة، وطبقته الجهيرة الباعثة على الهدوء، مع قدرته الاستثنائية في التحكّم في طبقات صوته وتدريجها. "عملي هو قَصُّ الحكايا. عندما أعزف وأغنّي، فإنني كمَن يجلس إلى البيانو ليروي حكايات خرافية"، يقول كول لمجلة "تايم" في حوار يعود إلى عام 1951.

وُلد ناثانيال آدمز كولز في مونتغمري، بولاية آلاباما، في السابع عشر من آذار/ مارس عام 1919، وكان واحداً من أربعة أخوة موهوبين موسيقياً لأبٍ يعمل بقّالاً ويطمح للعمل في التبشير الديني. في عام 1923، انتقلت عائلته إلى شيكاغو، في أعقاب ما عُرف بـ"الهجرة الكُبرى"، وهي ظاهرةٌ ديمغرافية شهدت انتقال ستّة ملايين من ذوي البشرة السوداء من جنوب الولايات المتّحدة إلى شمالها، بحثاً عن حياة أفضل وعن حرّية أوسع في المدن الأميركية الكُبرى.

تحوُّله من عازف بيانو إلى مغنٍّ حدث بالصدفة عام 1941

تعلّم نات العزف على البيانو على يدي والدته وهو في سنّ الرابعة. وعندما بلغ الخامسة عشرة، غادر مقاعد الدراسة ليقود فرقه الموسيقية. وفي الثامنة عشرة من عمره، كان الفنان متزوّجاً، ويعيش في لوس أنجليس، ويدير سهرات غنائية في ملهى ليليّ كان يُلعب فيه على الغيتار، والبيس، والبيانو، من دون غناء.

أمّا المنعطف الكبير في تجربة كول، أي تحوّله من عازف بيانو إلى مغنٍّ، فقد وقع بالصدفة، عام 1941، عندما أصرّ أحد الزبائن في حانة صغيرة بهوليوود، وكان مخموراً، على كول ليغنّي له "سويت لورين". ولتهدئة الرجل السكران، غنّى كول المقطوعة، ليبدأ بذلك مساره الأسطوري في الغناء، حيث قلّ أداؤه للبيانو والجاز وزاد غناؤه لمقطوعات البالادز العاطفية.

في عام 1946، سيقدّم "ثلاثي كينغ كول" برنامجاً إذاعياً أميركياً، كان الأوّل من نوعه بالنسبة إلى فنّان أفرو-أميركي. وحقّقت مقطوعات الثلاثي النجاح بعد الآخر. ولم تكن "مونا ليزا" إلى "ناتشر بوي" و"أغنية عيد الميلاد" و"رامبلينغ روز" إلّا بعضاً من الأعمال التي وفّرت شهرةً واسعة لنات كول كينغ.

وشهد مسار كول عدداً من الأحداث العنصرية، فعندما اشترى، مع زوجته، منزلاً في لوس أنجليس عام 1949، قام الجيران في الحيّ بتشكيل جمعية لمنعهم من الانتقال إلى منزلهم الجديد. وفي 1956، خُصِّص لكول برنامج تلفزيوني على قناة "إن بي سي تي في"، لكن، رغم نسبة المشاهدة الجيدة، إلّا أن البرنامج لم يجد راعياً اقتصادياً، ما اضطرّه إلى إيقافه بعد عام واحد فقط. لقد كانت أصول كول الأفرو-أميركية السبب الأساسي في عدم وجود مُعلنين بما يكفي أثناء البرامج التي كان يقدّمها. 

وفي عام 1956 أيضاً، وهو في قمّة شهرته، قامت مجموعة من الرجال بالبيض بالهجوم على الفنان بينما كان يقدّم حفلاً في بيرمنغهام، بولاية آلاباما. كما تعرّض للنقد من قِبَل العديد من ذوي البشرة السوداء، بسبب عدم اتخاذه موقفاً صريحاً وعنيداً ضدّ التعامل الظالم والعنصري مع الأقلّيات في بلده. لكن رغم كل شيء، فإنه لم يرفض يوماً تأدية الموسيقى والغناء أمام جمهور من انتماءات عرقية مختلفة. فقد كان يؤمن بأن حُسن النية، وشهرته كأفرو-أميركي، أكثر فعالية من الاحتجاجات التقليدية للنضال ضد العنصرية، وهو ما سيبدو صحيحاً مع الوقت.

لم يحصل كول إلّا على جائزة وحيدة خلال حياته، هي جائزة "غراني" التي نالها عام 1959 كـ"أفضل فنّان بوب" عن عمله "ميدنايت فلاير". لكنّ موهبته ساهمت في تحطيم الحواجز القائمة على أساس لون البشرة في عالم أميركي مليء بالفصل العنصري، فاتحاً بذلك الباب لفنانين أفرو-أميركيين آخرين استطاعوا بدورهم الوصول إلى النجاح والاعتراف. 

وعلى الرغم من رحيله المبكّر عن 45 عاماً، إلّا أن نات كينغ كول حقّق خلال مساره نجاحاً كبيراً، حيث سجّل نحو 700 أغنية وبيعت أكثر من 50 مليون نسخة من تسجيلاته. كان كينغ كول اسماً رائداً في الموسيقى، وقد بقي إرثه من بعده كأيقونة ثقافية وكواحد من أعظم مغنّيي وعازفي الجاز في القرن العشرين.

المساهمون