ذكرى ميلاد: محمود سامي البارودي.. عن الاختصار في الريادة

06 أكتوبر 2020
محمود سامي البارودي
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، السادس من تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرى ميلاد الشاعر المصري محمود سامي البارودي (1838 - 1904).


كثيراً ما يُختصر الشاعر المصري محمود سامي البارودي في كونه الشرارة الأولى التي بدأ معها تجديد الشعر العربي، وغالباً ما يأتي ذكره عند الحديث عن تجارب أخرى مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وشعراء أبولو باعتباره مرجعية قريبة توجّه إليها هؤلاء وانخرطوا في نفس المسارات التي سطّرها البارودي قبل أن يتجاوزوه. 

في ما عدا ذلك، لا يُحضر البارودي كثيراً في الذاكرة الثقافية العربية، إنه غائبٌ خلف هذا الموقع كرائد "مدرسة البعث والإحياء"، فقليلة هي الدراسات النقدية والأكاديمية حوله، وأقل منها محاولات تفسير الأسباب التي دفعته إلى إطلاق هذا المشروع في تجديد الشعر العربي، ونلاحظ هنا أن البارودي مقصيّ مثلاً من أبحاث مؤرّخي عصر النهضة العربية، وأن تاريخ الأدب الذي يذكره كرائد يأتي بمعزل عن تاريخ مسارات التحديث الأخرى في أنظمة الدولة وفي تطوير اللغة وتأصيل المسرح وبداية مغامرات الكتابة الفكرية.

غير أن فاحص سيرة البارودي سيقف على "تورّط" متعدّد الزوايا مع مشروع "عصر النهضة العربية"، فهو عسكريّ كان يعاين عن كثبٍ تحوّلات التنظيمات الإدارية والقتالية بما هي اشتباك مباشر مع الحداثة الغربية، وفي الجزء الأخير من حياته كان أحد قادة ثورة عرابي التي هزّت الضمير المصري رغم إخفاقها. كيف إذن لا يجري الربط بين هذه الانتماءات وتطلّع الشاعر إلى تصوّر جديد للغة القصيدة العربية؟

كتب البارودي مقدّمة لديوانه، وفي ذلك تجديد آخر فلم يكن من عادة الشاعر العربي أن يفكّر في مخاطبة قارئه من خارج أبيات الشعر، وهو ما يدلّ على معرفة بتقاليد الكتابة في الغرب وفي زمنه كان من الشائع في فرنسا وبريطانيا أن يتحدّث الشعراء عن فلسفتهم في الشعر ونظريتهم للوجود. في هذه المقدّمة، يعرّف البارودي الشعر باعتباره "لغة خيالية يتألق وميضها في سماوة الفكر فتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب"، ويرى بأنه ينبغي له أن يكون"قريب المأخذ سليماً من وصمة التكلّف بريئاً من عشوة التعسّف غنياً من مراجعة الفكر". 

تقريباً، لم يحد البارودي عن هذه التصوّرات في مجمل شعره، وهي مقاربة كانت - هي ذاتها - تمنع تجربته الشعرية من مراودة آفاق أكبر من التعبير عن بعض العواطف النبيلة؛ الوطنية أو الإنسانية عامة. لكنها تجربة تغفر لها كلّ خطاياها، باعتبارها الممر الذي عبر منه الشعر العربي إلى العصور الحديثة.

المساهمون