ذكرى ميلاد: فؤاد التكرلي.. رواية طبقات بغداد المعاصرة

22 اغسطس 2021
(فؤاد التكرلي، 1927 - 2008)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثاني والعشرون من آب/ أغسطس، ذكرى ميلاد الروائي العراقي فؤاد التكرلي (1927 – 2008).


حين نشر فؤاد التكرلي الذي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده قصته الأولى "همس مبهم" في مجلة "الأديب" البيروتية مطلع الخمسينيات، كان قد مزّق عشرات النصوص الأولى التي أحسّ أنها ضعيفة، وعلى هذا النحو استمرت وتيرة النشر لديه بطيئة، فرغم أنه كتب روايته الأولى "بصقة في وجه الحياة" عام 1949 إلا أنها رأت النور بعد نصف قرن، لاعتقاده أن جرأتها في تناول المسكوت عنه جنسياً في المجتمع البغدادي حالت دون صدورها آنذاك.

خلافاً لجيل الخمسينيات الذي ينتمي إليه القاص والروائي العراقي (1927 – 2008)، الذي امتلك طموحات كبيرة في مرحلة غنى عاشتها الثقافة العراقية وتأسيس حداثتها في الفن والأدب، فإنه يشير في إحدى مقابلاته إلى أنه "في تلك الفترة لم يكن يخطر ببالي أن أكون كاتباً كبيراً أو روائياً مشهوراً، كل ما كنت أسعى إليه أن أكتب قصة مكتملة فنياً ومؤثرة. كان شاغلي الوحيد هو التفكير في اختبار اللغة.. اختيار المضمون.. الحوار.. الشخصيات".

هكذا يلخّص التكرلي خطواته المتمهلة التي سار بها حتى ترسّخ اسمه بوصفه أحد المجددين في السرد العراقي، في جملة أعماله التي تنتسب إلى "الواقعية الجديدة"، فهو ابن الطبقة الوسطى البغدادية حيث ولد لأبٍ تقاعد من عمله في الجمرك العثماني، ولم يستشعر تراجع الأحوال المعيشية لعائلته إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ترسّخ اسمه كأحد المجددين في السرد العراقي، في جملة أعماله التي تنتسب إلى الواقعية الجديدة

جملة المفارقات التي أسّست حياته كان لها دور في التفاته إلى قاع شخصياته ومركّب عقدها في تحليل نفسي عميق وجريء، وقدرة فائقة على تصوير ضياعها وتشتّتها وقلقلها، وتوقها إلى الحرية دون إغفال عجزها. ربما امتلك منظوره إليها كونه قدِم إلى الدنيا لوالد في الرابعة والستين من عمره، وأشقاء يكبره أصغرهم بثلاثين عاماً، فكان على هذا الطفل أن يكتشف عندما تفتّح وعيه مسرح الأحداث المكتظّ بالبشر في حياته ضمن طبقة تعيش العديد من التناقضات قادته إلى رصدها في رواياته.

واستفاد التكرلي من مساره المهني حيث عمل محامياً وقاضياً تدرّج في مناصب القضاء حتى شغل رئيس محكمة بغداد ومستشاراً في وزارة العدل، وكانت أزمات المجتمع خاصة في صفوف الطبقات الدنيا مادة دسمة اطلع عليها بحكم وظيفته، في تشكيل سرده الذي انبثق من صميم الواقع، والتي ظهرت منذ روايته القصيرة "الوجه الآخر" التي صدرت عام 1960.

وكانت روايته الثانية باسم "الرجع البعيد" (1980)، واستغرق في كتابتها أكثر من عشر سنوات، وهي تضيء العلاقات الاجتماعية داخل أسرة واحدة وامتداداتها في الطبقة الوسطى البغدادية؛ المتعلمة الفقيرة، والجاهلة الميسورة، لكنها ترمز إلى انتماءات أيديولوجية كانت سائدة في مرحلة الانقلابات العسكرية خلال الستينيات.

ثم أصدر ثلاث روايات واصل خلالها تناول فترات زمنية أطول عاشها المجتمع العراقي تخلّلتها محطّات كبرى، مثل انقلاب البعث والحرب العراقية - الإيرانية، وحرب الخليج الثانية، وهي "خاتم الرمل" (1995)، و"المسرات والأوجاع" (1998)، و"اللاسؤال واللاجواب" (2007)، واستطاع خلالها أن يعمّق النظر إلى الصراع الاجتماعي وتأثيرات السياسة، مبتعداً عن تقديم خطاب مباشر حول الأحداث.

كذلك كتب مسرحيات سمّاها حواريات "الصخرة" (1986) وحواريات "الكف" (1995) و"حديث الأشجار" (2007) وهو كتابه الأخير ويحوي ست قصص قصيرة وست حواريات ذات فصل واحد كتبها في السنوات الأخيرة من حياته.


 

المساهمون