تستعيد هذه الزاوية شخصيّة ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثامن من أيلول/ سبتمبر، ذكرى ميلاد السياسي وعالم الآثار المصري عمر طوسون (1872 – 1944).
ينحدر السياسيّ وعالم الآثار المصري عمر طوسون من سلالة حاكم مصر محمد علي باشا، لكنّ التحامَه بقضايا الشعب وهموم العالَم الإسلامي، إلى جانب ما وضعه من مؤلّفات في الآثار والتاريخ والجغرافيا وغيرها من العلوم، صنع منه نموذجاً للشخصية النهضوية الوطنية، والتي لا يُمكن قراءتها في حدود الأرستقراطية الضيّقة فقط.
وُلِد طوسون في الإسكندرية عام 1872، ثم تلقّى تعليمه الأوَّلي بـ العربية والتركية، قبل أن يُسافر إلى سويسرا لاستكمال دراسته هناك، وفي تلك الفترة تجوَّل في كلّ من فرنسا وإنكلترا، فتأثّر بما شاهده من تقدّم عِلمي وصناعي وزراعي واجتماعي، وبعدها عاد إلى مصر وهو يُتقن الإنكليزية والفرنسية.
تنوّعت المؤلّفات التي وضعها وكشفت عن شخصية مُصلح نهضوي
اقترب "الأمير" مُبكّراً من القضايا الوطنية، فلم يُخفِ مُيوله إلى الدولة العثمانية والوقوف إلى جانبها، في عصر بدأت تظهر به الأطماع الغربية والاستعمارية بالعالَم الإسلامي. ومن أبرز تلك المواقف، هي غزو إيطاليا لليبيا عام 1911، حيث خاضت الدولة العثمانية الحرب مع أهالي برقة وطرابلس ضدّ إيطاليا، وقد أهاب حفيد الباشا بالمصريّين لمدِّ يد العون إلى الليبيّين، ورأَس اللجنة التي شُكّلت لِجمع التبرّعات.
ولم يمضِ عام على تلك الحرب حتى اشتعلت أُخرى في البلقان، كانت أكثر ضراوة وأشدّ فتكاً، فانتفض صاحب "مصر والسودان" لمساعدة العثمانيّين، وبَذَل جُهداً مُضاعفاً لجمع التبرُّعات، وجاب أنحاء مصر حتى تجمّعت لديه حصيلةٌ ضخمة منها بلغت ثلاثمئة ألف جنيه في بضعة أسابيع، كما نظّم البُعوث الطبّية المُسيَّرة إلى البلقان.
اتّجه طوسون إلى الكتابة والتأليف، فكان له إنتاج عِلمي غزير بالعربية والفرنسية، وقد استأثرت البحوث التاريخية والجغرافية والأثرية باشتغالاته، ودارت في أغلبها حول مصر والسودان، ومنها: "صفحات من تاريخ مصر والجيش البرّي والبحري" (1931)، و"بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك" (1933)؛ وهو كتاب يتحدّث فيه عن الحملة العسكرية التي أرسلها نابليون الثالث إلى المكسيك، في عهد الخديوي إسماعيل، و"الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم" (1936).
من السودان إلى البلقان انشغل بهموم المواجهة مع الغزو الاستعماري
إلّا أنّ مسألة السودان بقيت شغله الشاغل، فألّف فيها بالعربية والإنكليزية والفرنسية أعمالاً مختلفة مثل: "مصر والسودان" (1927)، و"مذكّرة عن مسألة السودان بين مصر وإنكلترا" (1929)، و"ضحايا مصر في السودان وخفايا السياسة الإنكليزية" (1935). كما ظلّ يرى أنّ السودان لازمٌ لمصر ولا غناء لها عن الإشراف على النهر الذي تستمدّ منه الحياة.
ولمّا كان للآثار ارتباطٌ بالجغرافيا أيضاً، وليس بالتاريخ فقط، فإنّ طوسون التفتَ إلى هذا العِلم وقدّم إسهاماته ضمنه، ومنها "مذكّرة عن تاريخ النيل" وهو كتابٌ تناول فيه منابع هذا النهر ومجراه وأفرعه وفيضانه، و"جغرافيّة مصر في العصر العربي"، الذي وصف فيه الأدوار المختلفة التي مرّت بها جغرافية مصر منذ الفتح الإسلامي. كذلك تولَّى رئاسة "الجمعية الزراعية الملَكية" فنهَض بها، وساعد في تطوير الإنتاج الزراعي، كما استطاع أن يكتشفَ اثنين وخمسين ديراً أثريّاً، وأن يعثر على رأس تمثال الإسكندر الأكبر عند خليج العقبة، وينتشله من الماء.
إلى جانب ما سبق أصدر العديد من المؤلّفات، منها: "كلمات في سبيل مصر" (1928)، و"مالية مصر من عهد الفراعنة إلى الآن" (1931)، و"الصنائع والمدارس الحربية في عهد محمد علي باشا" (1932)، و"يوم 11 يوليو سنة 1882" (1934)، و"البعثات العِلمية في عهد محمد علي باشا ثم في عهدَي عباس الأول وسعيد" (1934)، و"الأطلس التاريخي الجغرافي لمصر السفلى منذ الفتح الإسلامي إلى الآن" (1934).