في سياق تجديده لعمود الشعر العربي، تبنّى محمد مهدي الجواهري منظوراً واقعياً للقصيدة التي أرادها أن ترتبط بحياة الإنسان وكرامته وتوقه لتحقيق العدالة والحرية، وأن تعبّر عن ظواهر وسلوكيات يومية وتتضّمن مواقف ضدّ النظم السياسية والاجتماعية والدينية.
صدرت الأعمال الكاملة للشاعر العراقي (1899 – 1997) قبل رحيله بنحو عام بعنوان "الجواهري.. جدل الشعر والحياة"، وتوالت طبعات أخرى عن دور نشر عربية مخالفة في بيروت وبغداد والقاهرة وغيرها، تضمّنت أكثر من تقديم لتجربته الممتدّة حوالي سبعة عقود.
ضمن فعاليات الدورة الثانية والعشرين من "معرض بغداد الدولي للكتاب" التي انطلقت في العاشر من الشهر الجاري، وتتواصل حتى الأحد المقبل، تمّ إشهار ديوان الجواهري بستة أجزاء طبعة مزيدة ومنقحة والذي صدر حديثاً عن وزارة الثقافة العراقية، وأشرفت على إعداده وطبعة لجنة تكوّنت من عدد من الباحثين العراقيين هم: حسن ناظم وسعيد عدنان وسعيد الزبيدي ونادية العزاوي ورهبة أسودي.
وضمّ الغلاف الخلفي أبياتاً من قصيدة أبي فرات الشهيرة التي كتبها عام 1947، ويقول فيها: "سلامٌ على هضبات العراق/ وشطـّـيه والجُرف والمنحنى/ على النخل ذي السعفات الطوال/ على سيّد الشجر المقتنى/ على الرطب الغضّ إذ يٌجتلى/ كوشيّ العروس وإذ يُجتنى/ بإيساره يوم أعذاقه ترف/ وبالعسر عند القنى/ وبالسعف والكرب المستجدّ ثوباً/ تهرى وثوباً نضاً/ ودجلة إذ فاض آذياً/ كم حُمّ ذو حرد فاغتلى/ ودجلة تمشي على هونها/ وتمشي رخاء عليها الصبا/ ودجلة زهو الصبايا االملاح/ تخوض منها بماء صرى/ تريك العراقي في الحالتيـ/ ن يُسرف في شحّه والندى".
يقول حسن ناظم في تقديمه "يعدّ شعر الجواهري بصدوره وأعجازه جناحيه على القرن الشعري كلّه. قرن تأسيس الدولة العراقية.. فتاريخ الدولة العراقية الحديث مبثوث في ديوانه، في هذه الأجزاء الستّة، حضر تاريخ العرب بعامّة، وتاريخ العراق بخاصّة، ورُسمت فيه لوحات لوجوه الشخصيات السياسة والاجتماعية، من الملوك والرؤساء، والوزراء والشهداء، ومراجع الدين والوجهاء، والمفكرين والشعراء، والروائيين والعلماء، والأصدقاء والأقرباء، والنوّاب والثوّار، والشيوخ والتجار، ووُصفت فيه دول ومدن، وأنهار وبحار، ومعارك ومقاتل، وثورات وانتفاضات، وانقلابات وأيام وطنية، وجيوش ووفود، وصبوات وشهوات".
يضيف: "جاء كلّ ذلك ضمن الأغراض المعروفة للشعر العربي مدحاً وهجاءً، وغزلاً ورثاء وغيرها، مصطبغاً بالسخرية والنقد اللاذع والتقريض والزلفى، والاختيال والعُجب، والضعف واليأس، ومواجع الغربة ومسّرات الوطن، والاحتدام والاستكانة؛ إنه "برزخ" الجواهري مجمع الروح القلقة، والنفس اللائبة، تلك التي أسكنها الجواهري في "أبيات" قصائده، ووطّنها في لغته الفخمة الجزلة".