دنيز شماندت بيسيرات: الكتابة وولادتها بين الرافدين

24 يوليو 2022
لوح طيني رافديني، من الألف الثالث قبل الميلاد، دُونت عليه سجلّات حول الأطعمة (Getty)
+ الخط -

كثيراً ما نقرأ ونسمع، على الصفحات وفي المنابر الثقافية، تكراراً لمقولةٍ مُصيبةٍ بالطبع: هي أن منطقتنا العربية، وتحديداً بلاد الرافدين وبلاد الشام وكذلك مصر، أصلٌ لعدد من أبرز إنجازات الحضارات، كالأبجدية، والكتابة، وصناعة الورق. غير أن هذا الحديث لا يترافق، للأسف، مع ما يجب أن يقابله من أبحاثٍ واشتغالات عربية حول هذا الماضي.

وإنْ كان أغلب هذه الاكتشافات يعود إلى جهود عُلماء وباحثين غربيين، جاؤوا إلى البلاد العربية وعرّفونا من خلال اشتغالاتهم على تاريخنا نحن، فإن الأمر ما يزال مستمرّاً اليوم. بل إن إننا ما زلنا بعيدين، عربياً، عن مواكبة هذه الاشتغالات عن ماضي بلادنا، وأقلُّ ذلك الترجمة؛ ترجمة عدد من أبرز الكتب في هذا المجال، مثل أعمال الأركيولوجية الفرنسية الأميركية دنيز شماندت بيسيرات (1933)، المختصّة بتاريخ الشرق الأوسط القديم، وصاحبة العديد من المنشورات الأساسية حول تاريخ الكتابة.

عن منشورات "لي بل ليتر" في باريس، صدرت حديثاً النسخة الفرنسية من كتاب بيسيرات، "تكوين الكِتابة"، مع ملحقٍ للباحث الفرنسي المختصّ بتاريخ بلاد الشام القديم، غريغوري شامبون. وكان كتاب بيسيرات قد صدر بالإنكليزية عام 1996 بعنوان "كيف وُلدت الكِتابة" (منشورات جامعة تكساس). 

تكوين الكتابة

ولهذا العمل أهمّية كبرى في حقل الدراسات حول تاريخ الكتابة، وهو من أكثر المنشورات التي أثارت النقاشات في هذا السياق، خصوصاً وأن مؤلّفته جاءت بأطروحة خالفت بها العديد من النظريات السائدة حول ولادة الكتابة، والتي تؤرّخها لها في الألف الثالث أو الرابع قبل الميلاد، وتربطها بالكتابة المسامرية أو الهيروغليفية.

استناداً إلى زيارات قامت بها في سبعينيات القرن الماضي إلى مواقع أثرية ومتاحف في العراق وسورية وتركيا وإيران وغيرها من بلاد المنطقة، وكذلك إلى متاحف أوروبية لديها مقتنيات تعود إلى حضارات هذه البلاد، توصّلت بيسيرات إلى خلاصةٍ مفادُها أن أولى أشكال الكتابة جاءت مع القطع الطينية الصغيرة التي كانت تُستخدم في بلاد الرافدين، وتحديداً في أوروك (الوركاء)، منذ الألف الثامن قبل الميلاد، وهي القطع التي ستتطوّر لاحقاً إلى شكل الألواح (الألواح السومرية وغيرها) الذي نعرفه.

وبخلاف عددٍ من الباحثين الذين ربطوا ولادة الكتابة، والحاجة إليها، بضرورات فكرية، كالحاجة إلى ابتكار رموز مقابلة للكلام، من أجل تناقل المعرفة، أو بضرورات ترتبط بالسلطة (تخليد ذكرى الحكّام) أو الدين، فإن بيسارت تبني نظريتها على أن الكتابة لأسباب اقتصادية، حيث كانت هناك حاجة، في الحضارات الرافدينية القديمة، لتسجيل حسابات متعلّقة بالمحاصيل الزراعية، ما دفع إلى استخدام قطع طينية كرموز رقمية، أو كألواح صغيرة تُخَطُّ عليها خطوطٌ تشير إلى أعداد المحاصيل وأزمانها.

المساهمون