دانيال سوج لاغرانج: ما أريد قوله يمرّ عبر الصور

27 مايو 2023
دانيال سوج لاغرانج أمام أعمال معرضها (العربي الجديد)
+ الخط -

على هامش "مهرجان آرل الأول للرسم"، التقيتُ دانيال سوج لاغرانج. ودانيال في ربيع خريف العمر. امرأةٌ رفيعةٌ صغيرةُ الحجم. أصابعُ نحيلة، شعرٌ رماديٌّ ناشفٌ قصير غير مصفف، في إهمال متعمّد يسمونه جمالية "السمت اللامبالي" Look nonchalant. 

لا أدري لماذا ذكّرني رأسُها برأس رامبو الأشعث في ذاك الرسم الذي وضعهُ له صديقه الشاعر بول فيرلين وهما في بلجيكا. لعل حركات أصابعها الرهيفة، كما لو أنّها تُمسك الهواء أو تحاول إمساكه. لعله انخطافُها، نظرتها الزائغة؛ أو لعلّه تحركُها الضائع وسط معرضها هو ما أوحى لي بهذه المقارنة، أو تلك الأشعار التي تتخلّل رسومها. بدت دانيال مثل شبحٍ وسط تلك القاعةِ الكبيرة ذات الجدران السميكة المشيدة بحجارة آرل الرومانية، القاعة شبه المظلمة لولا تلك الكشّافات الضوئية التي رُكبت فوق أعمالها.  

قراءات تشكيلية لروايات فيكتور هوغو وقصائد تحاذي رسومها وتضيؤها

قالت أنا أرسم منذ سن السادسة، لا أريد أن أقول نعم ولا، لا مناقشات، ما أريد قوله يمرُّ عبر الصور. رسومٌ بالأبيض والأسود وأخرى مُلوّنة، خطوطٌ ذات ايحاءٍ ميثولوجي بيد أنّها ضاربة في أسئلة الراهن الذي يؤرّق ضميرها. مواضيعها تراجيديا المهاجرين الأفارقة الذين ابتلعهم البحر، حتّى أنَّ جثثهم حوّلت البحرَ إلى يابسة. ونرى في الصورة زرافات تسيرُ فوق الجثث.

تكثرُ لدى دانيال رسوم المهمشين، البشر المعطوبين، تمزج في تجربتها بين العالَم والنصوص والحلم. كتابتها التشكيلية حرة تمضي حيث تمضي طاقتها الإبداعية، هي أقرب في شاعرية خطوطها من الرسامين إليها من أصحاب ألبومات الصور المتحركة: فنانون تشكيليون كُثر استوّحوا نصوص الكتاّب والشعراء. هكذا فعل أوجين دولاكروا، الذي وضع لوحته الشهيرة "نساء الجزائر في مخادعهن"، اعتماداً على الوصف، فهو لم يدخل مُطلقاً حريماً شرقيّاً. 

الصورة
من المعرض (العربي الجديد)
من المعرض (العربي الجديد)

ومثله استوحت دانيال نصوصاً مختلفة، بمعنى أنّها تعيد في أعمالها خلقَ النصوصِ تشكيلياً، كما هو الحال في قراءتها لثوار فيكتور هوغو من فقراء باريس، كما صوّرهم في روايته التي تحمل عنوان "ثلاثة وتسعون"، وهي الجزء الأخير من ملحمة الثورة الفرنسية. كذلك الأمر مع أبطال رواية "الفصول" لموريس بونس، ذاك العمل السحري، تماماً مثل رواية "تحت البركان" لمالكوم لاوري.

وهكذا صاحبتْ ورسمتْ قصائدَ لا تمجّدُ الحياة فحسب، بل تضيفُ حياةً إلى الحياة: قصائد لبابلو نيرودا، جاك بريفير، روبرت ديزنوس... قصائد تحاذي رسومها وتضيؤها.


* شاعر ومترجم تونسي مقيم في أمستردام

موقف
التحديثات الحية
المساهمون