استمع إلى الملخص
- تتناول الرواية واقعاً سورياً غير محدد زمنياً يعكس العنف والفساد، من خلال فرقة موسيقية تستلهم بوب مارلي والجاز، مما يبرز خيبة الأمل والانحدار بعد انهيار الربيع العربي.
- تجسد الشخصيات الصراع بين الماضي والحاضر، حيث يمثل موسى ومنال الأمل في المستقبل، بينما يعاني سام ومريانا من قيود الماضي.
"سمك ميّت يتنفّس قشور الليمون" عنوان شاعري لرواية خالد خليفة، الروائي السوري اللامع الذي تُمثّل روايته "مديح الكراهية" مفصلاً في الرواية السورية والعربية. خليفة، الذي رحَل باكراً منذ عام، ترك هذه الرواية التي اجتهدت "دار نوفل" (دمغة هاشيت أنطوان) في نشرها. تلك هي روايته الأخيرة، تراها تكون وصيته الروائية، كما يخطر في مناسبة كهذه. لا نملك جواباً بالطبع، لكنّ الرواية، شأنها شأن روايات خالد خليفة، فريدة في مؤلّفه، فريدة في رؤيتها وأسلوبها، وحتى لغتها. ليس العنوان وحده شاعرياً يجعلنا نتساءل عن صلة خليفة بالشعر، الشعر مبثوث في فصول الرواية، وإحدى بطلاتها شاعرة، وما ينصّه خليفة من شعرها قصائد حقيقية. لا أعرف كثيراً عن سيرة الكاتب في هذا المجال، لكنّنا لا نشكّ، من قراءة الرواية، أنّ له نصيباً من الشعر، وليس غريباً عنه.
رواية خالد خليفة لا تمرّ على الثورة السورية، ولا تعلن عنها. إن نحن أخذنا بتفاصيلها، وحاولنا أن نجد لها ميقاتاً، لن نستطيع ذلك بسهولة. هي في الظاهر من زمن يسبق الثورة، إنّها سورية الأمس لا اليوم. مع ذلك لا نجد في الرواية ما يناسب هذا التاريخ. لدينا شعور بأنّنا في زمن غير محدود، لكنّه يشبه زمننا الحاضر. لا نجد إشارة إلى الأحداث السورية العاصفة الآن، لكن الرواية، وهي في طياتها تحتمل عنواناً آخر هو "المسوخ"، تغوص في لغة الخراء من أوائل مفرداتها، ومع الخراء هناك بالطبع العنف والتعذيب والزبائنية والسيادة العسكرية ودولة المرتزقة واللصوص والفجور والعهر. لن نشعر عند ذلك بأنّنا في زمان غير زماننا وأنّ سورية، هذه الممزّقة المنهارة، ليست غريبة عن سورية اليوم.
هجاءٌ للواقع السوري اليوم، ولو كانت جذوره في زمن غير مسمّى
لا بدّ أنّ خالد نصّ في روايته هجاءً فظيعاً للواقع، يصحّ على سورية اليوم، ولو كانت جذوره في زمن غير مسمّى. ثم إنّنا، ونحن نقرأ الفصل الأوّل من الرواية الذي يتكلّم عن جماعة انتظمت في فرقة موسيقية تستلهم بوب مارلي وموسيقى الجاز، أعضاء هذه الجماعة، بعد أن تركوا أثراً في تاريخ المدينة بحفل الكنيسة الذي بقي في الذاكرة، ما لبثوا أن تفرّقوا وبقيت الفرقة وحفلها التاريخي في ذاكرته، بل هي تقريباً العصر الذهبي لهم.
ليست الموسيقى بالنسبة إلى هؤلاء هواية فقط، إنّها رؤية وقراءة ونمط حياة. ما بعد الفرقة كان حيرة وضياعاً وانحرافاً في أحيان. بعد الفرقة نمرّ على أربعة أفراد منها، والأربعة يشكّلون، بخاصة الاثنان الأولان، هذه الخيبة وهذا الارتداد وذلك الفشل. هكذا يخطر لنا أنّ الفرقة استعارة لجيل ما قبل الثورة، استعارة للحلم الثوري، حلم التغيير الذي ما لبث أن خاب، بعد الثورة، وصار إلى ما نشهده اليوم: التفتّت والانحدار والسقوط. يمكننا هكذا أن نقرأ في الرواية استعارة مواربة لسورية اليوم. استعارة تصلح وتصحّ، على العالم العربي كلّه، بعد انهيار الربيع العربي وسقوطه.
مع ذلك فإنّ رواية خالد خليفة التي تُذكّر بحاضر موروث، حاضر تاريخي إذا جاز القول، تُطلّ على شخصيات ما بعد انطفاء الحلم التغييري. سام أحد تلك الشخصيات لا يستطيع أن يفلت من مجتمعه العسكري، وأقاربه النافذين. إنه يبقى أمام ما يجري حائراً ساهماً ساكتاً، بل ومتواطئاً من حيث لا يدري أو لا يريد. مريانا المسيحية تيأس من سام الذي تحبّه والعاجز عن تلبيتها، وتتزوّج ثرياً فاسداً جشعاً وبخيلاً، لكنّها، رغم ذلك، تُواصل صلتها بسام، صلة تبقى معلّقة ضائعة، إلى أن تعود إلى زوجها وإلى أميركا، بعد أن سئمت من سام.
مع ذلك لا يبقى خليفة في سلب المطلق. إنّه ليس مثل روني، بطله الذي يجد الماضي وحده حقيقياً، ولا يعترف بالحاضر إلّا بوصفه تمهيداً للماضي. لن يكون المستقبل مع ذلك مطوياً مسدوداً. مع موسى ومنال نجد أنفسنا أمام حاضر موزون، وأمام بداية للمستقبل. موسى الثري ابن العائلة، متوازن مع أصله، لكنّه لا يرضخ له، بل يختار لزواجه منال، ابنة قوّاد ومغسّل موتى. منال الشاعرة تكاد تكون الحلم الثاني، إنّها قادرة على الخلاص من حاضرها الماضي، الذي، برغمه حقّقت نفسها مترجمة وشاعرة، ثم هناك ولداها من موسى، الوحيد الذي تحبّه ونعرف كيف تحبّه وكيف يحبّها. نحن هكذا أمام مستقبل.
* شاعر وروائي من سورية