حسابُ هذا الصيف

06 سبتمبر 2022
غابرييلي غالّوني (1995 - 2020)
+ الخط -

تحت، هُناك بين فجَوات الوقت
على تُخوم الأدنى والأقصى
يحدثُ ما لا يُمكن إصلاحُه.



ونحنُ نعلمُ على سبيل المثال
- دون أن نُعلِن ذلكَ - 
أن حديقة  "فيلا شارا"
استحالت مجدَّداً صورةً 
أُمعنُ في التقاطِها، 
تُطرق بصرها إلى الأرض
جرَّاء الضوء السَّاطع، 
تُسدِّد حسابَ هذا الصيف 
وما مضى من أصياف.



كان نائماً: هذا ما قالَ. 
أيقَظَتْه صافرةٌ: هكذا كَتَبَ.
صافرةٌ كهواء يشقُّ المساحات الفارغة - مضى بالفعل.

من كلّ هذا لم يبقَ بالكاد سوى الاسم.



سأغادر؛ وأنتِ ستُبقين التنائي العائد.
الأبدية السعيدة
لوجِهكِ المفحوص في انعكاس الضَّوء -
النافذ من ضاحية "ماليانا" العتيقة إلى غرفتي.



قمر تمّوز: يطلُّ من نافذتك
لَمحناه لوهلةٍ على سطح البحر.

للحظةٍ، جعلناه مِلكنا
معتقدَين أنّه قاع كوب.

قمرُ البحر، وزبادي خشبيةٌ
تصطفُّ على طول حافة النافذة.

السماء لا تجفُّ - وفي غضون ذلك
المدُّ يرتفع.



الكلمة الأخيرة على سطح القمر
تُرِكت لأصغر واحدٍ فينا، ذاك الذي قال:
القمرُ هو كثيبٌ لا توقّعات له عن البحر
إنّه الطريق السريع
الذي يَحمل خارجاً من "بْيانا ديل سولي" 
مُدنَ العالم كافّة.



حدث ذلك في اللَّيلة التي سِرنا فيها
نُنقّبُ عن أطفالٍ بين الصخور.
نبحثُ عن الخيط الذي من شأنه أن يقرّب 
النجوم بعضها من بعض.

بلوغ المساحة الممدُودة بين البحر وضفّته؛ 
واصطياد اليراع من الشاطئ أثناءها
ودهشة اكتشاف أنّه ما زال حياً.



إنّها ليلةٌ تحقّق الأمنيات. 
قبل أن تتساقط الشُّهب
فلنتسلَّق جدار المركز الرياضي.
لا تزال مياه المسبح تتراقص،
مقلِّدةً برعشاتها الأضواءَ المجاوِرة لملعب الكُرة 
عاكسةً إلى ما وراء السور وجوهنا 
المطلية بفضولِ الخلفية المصبوغة.

"انظر"، تقولين لي، وأنتِ ترفعين كأسَكِ نحو القمر،
 "يبدو الأمر كما لو أنّ كلّ من مرَّ بنا سيرجع.
المياه تتحرّك، كما لو أنها تتأهّب لإعادتهم".
ارمِ القنينة الفارغة، ولنجلسْ،
ولنتجاهلْ كوننا إن تعرّينا ولو لمرّة
سنبقى عُراةً إلى الأبد.

ثمّة امرؤٌ بقُربنا، يُخفِيه الظلُّ.
نحنُ نعلم ما فائدةُ الأجساد لبعضها 
عشرون سنة كانت كافية.
توقّفنا عن الكلام. والآن
فلنصغِ فحسب.
الحضورُ
لم يعد يخشانا. 
ها هو يُواصل ألعابه بصوت خفيض، 
وتقريباً يطلب منّا نحن أن نحاكِيَه.



الموتى يحاولون مواساتَنا 
لكنّ محاولاتِهم غير قابلة للفهم 
إنّهم الزلّات، العثرات، ما لا تقوله الكلمات.
يعرفون كيف يحبُّون بيد، 
وبيد أُخرى يشيرون إلى ما لا نرى.



عرفتُ رجُلاً يقرأ الكفَّ للموتى
كان يفضِّل مَن لم يتجاوزِ العشرين
كلّ الآحاد كان يتنبّأ لهم في المَشرحة
عن إحداثيات حياتهم 
في مداراتٍ أُخرى



الموتى يرَون القمر خطأً
مزحةً سمجةً في الخَلق
يعتقدون أنّه هناك لإيهامنا (غير قابل للعبور) 
شيءٌ أشبهُ بجنسٍ عتيق 
لا مدخل له ولا مخرج 
ولا غرفة انتظار 



موسيقى الأموات هي طَرَقاتُ الخطوات
على الأرض.

 

بطاقة
Gabriele Galloni شاعر إيطالي من مواليد عام 1995، يعدُّه النقّاد أحدَ أقوى الأصوات الشعرية في جِيله. صدرت له أربع مجموعات شعرية ومجموعة قصصية بين عامي 2017 و2019، وديوان أخير عام 2021 صدر بعد وفاته عام (2020). رحل على نحو مفاجئ، في مسقط رأسه بروما، يوم 6 أيلول/ سبتمبر 2020 عن عمر 25 عاماً، إذ وضعَ حدّاً لِحياته. القصائد المترجمة هُنا مقتطفة من مجموعاته الشعرية "انزلاقات" (2017)، "تحت أي ضوء يتساقطون" (2018)، و"صيف العالم" (2019)، وتُنشر في "العربي الجديد" بالاتفاق مع والدته. 

* ترجمة عن الإيطالية: أمل بو شارب

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون