حديث أونلاين لم يكتمل مع حكيم عنكر

10 ديسمبر 2020
(في المكتب)
+ الخط -

عجزت محاولاتي عن رفع معنوياتك. أقول لكَ إنك ستتغلب على الفيروس وأنه سيصبح مجرد ذكرى سيئة وأن كورونا يحتاج إلى الصمود وإلى الوقت، فتجيبني بتعب لا تُظهره شاشتا الواتساب ولا سكايب: إن شاء الله، آمل ذلك. أستنهضُ من ذاكرتي عبارات التشجيع الصادقة، فتجيبني، للمرة الأخيرة في 1 ديسمبر/ كانون الأول قبل أن تدخل إلى المستشفى: "ما في تحسن رفيق... الفيروس يلعب معي... الله يستر، مرض لعين... دعواتك الهائلة". حينها انتهى الحديث أونلاين، وصارت أخبارك تصلنا ضربات على الرأس من زوجتك: دخل إلى المستشفى. تنفّس اصطناعي. وضعه سيئ. الأوكسيجين قليل جداً في جسمه... والخبر الأخير فجر التاسع من ديسمبر، ضربة قاضية. كتب صديق لك في موقع مغربي مقالاً يأمرك فيه بالشفاء سريعاً، فشتمتُه لأنه كان كأنه يرثيك، فوجدت نفسي أنعيك بالفعل في اليوم التالي.

حكيم عنكر خطفه كورونا. صحيح أنه واحد من 1.5 مليون إنسان سرقهم المرض، لكنه ليس كذلك بالنسبة لنا، زملاؤه وأصدقاؤه وأحباؤه، فنحن، ناسه، لدى كل منّا أخبار وحكايات وذكريات مع حكيم، كحال المليون ونصف المليون الآخرين، كل منهم مع معارفه.

سرق منّا 2020 صديقاً إضافياً وزميلاً وطيّباً 

"عندي خبر سيئ"، كتب لي في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، "أُصبتُ بكورونا". كان حكيم دائم الخشية من التقاط الفيروس. كان يسأل بقلق عن أحوال كل الزملاء في "العربي الجديد" الذين أصابهم الفيروس قبله، وكأن لديه شعوراً لعيناً يدنو من رتبة اليقين بأن دوره آتٍ. هو حدس أم ماذا؟ في اليوم نفسه، كان سعيداً بإخباري بأنه تمكن أخيراً، قبل أسبوع من ذلك التاريخ، من زيارة أهله بعدما استحصل على ترخيص استثنائي بالتحرّك وتجاوز قيود كورونا في الدار البيضاء. أخبرني قبلها كثيراً عن صعوبة أن تعيش بعيداً بضعة كيلومترات عن أهلك وألا تتمكن من رؤيتهم. روى لي مراراً عن الحظ البائس لهذا الجيل من الشباب والأطفال المحبوسين في المنزل بسبب كورونا طبعاً، بينما كنّا في مثل سنهم نوغل في تجارب الحياة واكتشافاتها خارج الأسوار.

حكيم على واتساب وسكايب، كان نسخة طبق الأصل عن حكيم الذي نلتقيه دورياً في الدوحة قبل مغادرته إلى المغرب الربيع الفائت. لا يخفي حرارة مشاعره تجاهك إن أحبّك على مستويات الزمالة والعلاقات الشخصية والقناعات السياسية. هي القناعات التي لم تنقطع عن أحاديثه بصيغة "أيام المعارضة"، مثلما كان يسمي فترة نضاله السياسي في المملكة. صحيح أن الشاشة تحجب ابتسامته الدافئة، لكنك لا بد أن تشعر بها في الدردشة معه عبر الإنترنت وفي الاتصال الهاتفي وفي مقالاته، حتى تلك العابسة، أكانت على هيئة تعليقات أو في مواد "رحلات" التي يكتبها منذ سنوات، أو في بروفايلات كان يهواها حين تتعلق بشخصيات لطالما أثارت فضوله ومتابعته.

حتى التاسع والعشرين من نوفمبر، كنت أسأله التوقف عن العمل لكي يرتاح. كان جوابه الدائم: أريد أن أنسى المرض. لكنه لم ينسَ المرض ولا المرض نسيه. لا محاولاتي نفعت ولا دعائي كان مجدياً. 2020 سرق منّا صديقاً إضافياً وزميلاً وطيّباً.


* مدير تحرير صحيفة العربي الجديد

المساهمون